sofian-tet عـضـو متألــق
عدد الرسائل : 289 المدينة : tetouan تاريخ التسجيل : 14/03/2009
| موضوع: صوت الحق صفات منهج أهل السنة والجماعة الخميس 19 مارس - 15:32 | |
| |
معالم المنهج الوسطي في التعامل مع المخالفين من أهل الملة:
يرى كثير من العاملين في حقل الدعوة إلى الله أن أخطر آفات العمل الإسلامي هو ما يغشى مسيرته من اختلاف, وما يعيق حركته من فرقة وتشرذم, وأن مرد هذا الاختلاف يعود إلى الجهل واتباع الهوى, وأن مما زاده رسوخا عدم إدراك معظم الأطراف للمنهج المعتدل للتعامل مع الآخرين, والخلط بين المسائل, واحتكار الصواب, برغم علم جميعهم بما يؤدي إليه هذا الاختلاف من الفساد, فالتنازع قرين الفشل والانهزام, ونذير التصدع والانهيار, قال تعالى: (ولا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وتَذْهَبَ رِيحُكُمْ واصْبِرُوا إنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)[الأنفال:46].
وإن تفرق الصف واختلاف الكلمة يمهد السبيل إلى ضياع دينهم وغزوهم اعتقاديًا وفكريًا وتسلط الأعداء عليهم, قال شيخ الإسلام ابن تيمية : "وهذا التفريق الذي حصل من الأمة علمائها ومشايخها, وأمرائها, وكبرائها, هو الذي أوجب تسلط الأعداء عليها, وذلك بتركهم العمل بطاعة الله ورسوله, فمتى ترك الناس بعض ما أمرهم الله به وقعت بينهم العداوة والبغضاء, وإذا تفرق القوم فسدوا وهلكوا, وإذا اجتمعوا صلحوا وملكوا, فإن الجماعة رحمة, والفرقة عذاب". (الفتاوى 3/421).
ومن المقرر لدى أهل العلم أن تفاوت الأنظار وتعدد الاجتهادات في المسائل الفرعية ليس محذورًا لذاته ولا يؤدي إلى كل هذه المفاسد, ولكن الإشكال في عدم الوعي بذلك, فيفضي الأمر إلى التعصب والتحزب, ثم التفرق والتعادي.
ولهذا فإن الجهود ينبغي أن تنصب على بيان آداب الخلاف والمسالك الصحيحة في التعامل مع المخالفين.
والمقصود هنا آداب الاختلاف في الفروع الفقهية أو الخلاف في الآراء ومجالات الشورى, وليس المقصود الاختلاف في أصول الاعتقاد.
ولابد هنا من إدراك عدة أمور:
1- اعتقاد أن الخلاف في الفروع والمسائل الاجتهادية واقع في الأمة منذ عصر الصحابة ولا سبيل إلى رفعه:
لقد شاء الله -عز وجل وله الحكمة البالغة- أن تكون أكثر فروع الشريعة قابلة لتفاوت الاجتهادات, حيث لم ينصب على جميع أحكام الشرعية أدلة قاطعة, قال الشاطبي: "فإن الله تعالى حكم بحكمته أن تكون فروع هذه الملة قابلة للأنظار ومجالاً للظنون, وقد ثبت عند النظار أن النظريات لا يمكن الاتفاق فيها عادة, فالظنيات عريقة في إمكان الاختلاف, لكن في الفروع دون الكليات, فلذلك لا يضر هذا الاختلاف".
ومن اعتقد ذلك سهل عليه قبول تعدد الأقوال في المسائل الاجتهادية, وعذر المخالف في ذلك, ولم يتعصب لمذهبه, أو يظن أن الصواب إلى جانبه وحده.
2- اعتقاد أنه توسعة على الأمة ورحمة بها, وليس العكس:
إن هذا النوع من الاختلاف بضوابطه الشرعية فيه توسعة على الأمة, فإذا ضاق الأمر في مذهب اتسع في آخر مادام له حظ من النظر, قال عمر بن عبد العزيز: "ما يسرني أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يختلفوا, لأنهم إذا اجتمعوا على قول فخالفهم رجل كان ضالاً, وإذا اختلفوا فأخذ رجل بقول هذا, ورجل بقول هذا كان في الأمر سعة".
وقال الشاطبي: "ومعنى هذا أنهم فتحوا للناس باب الاجتهاد, وجواز الاختلاف فيه, لأنهم لولم يفتحوه لكان المجتهدون في ضيق, لأن مجال الاجتهاد ومجالات الظنون لا تتفق عادة, فيصير أهل الاجتهاد مع تكليفهم باتباع ما غلب على ظنونهم مكلفين باتباع خلافهم, وهو نوع من تكليف ما لا يطاق, وذلك من أعظم الضيق, فوسع الله على الأمة بوجود الخلاف الفروعي فيهم, فكان فتح باب للأمة للدخول في هذه الرحمة, فكيف لا يدخلون في قسم (((مَن رَّحِمَ رَبُّكَ)))؟ فاختلافهم في الفروع كاتفاقهم فيها, والحمد لله".
3- اعتقاد أن أهله في دائرة الرحمة:
إن ملتزم آداب هذا النوع من الاختلاف وشروطه من المرحومين, إذ هوواقع في الأمة منذ عهد الصحابة, ولم تتجه إرادتهم إلى إزالته وحسمه, بالإضافة إلى ما صح عنهم من اعتباره رحمة وتوسعة على الأمة, وقد قال الله تعالى: (((ولا يَزَالُونَ مُختَلِفِينَ (118) إلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ولِذَلِكَ خلَقَهُمْ))) [هود].. فجعلت الآية الناس فريقين: أهل اختلاف وأهل رحمة, فالفريق الأول: من خالف في أصل الملة من أهل الديانات الأخرى, ويلحق بهم أهل الفرق التي خالفت أهل السنة في أصل أو أكثر من أصول الاعتقاد.
أما المرحومون: فيدخل فيهم المختلفون في فروع الشريعة كما تقدم.
4- اعتقاد أنه لا إثم على المخالف في هذا الباب:
لقوله صلى الله عليه وسلم : "إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران, وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر" (البخاري).
ولإقراره صلى الله عليه وسلم صنيع الفريقين يوم الأحزاب حين أمرهم بصلاة العصر في بني قريظة حيث صلى بعضهم في الطريق, قال الحافظ ابن حجر: "وقد استدل به الجمهور على عدم تأثيم من اجتهد لأنه صلى الله عليه وسلم لم يعنف أحدًا من الطائفتين, فلوكان هناك إثم لعنف من أثم".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : "ومذهب أهل السنة أنه لا إثم على من اجتهد وإن أخطأ".
5- لا إنكار على المخالف في هذه المسائل, وإنما النصيحة والبيان:
لا يجوز الإنكار باليد على من خالف في هذه المسائل, كما لا يجوز التشنيع عليه ولا القدح في دينه وعدالته ولا هجره من أجلها, إنما يجوز نصحه بالرفق واللين, وبيان ما يعتقد المخالف أنه أصوب وأن العمل به أحوط, مع كامل المودة والتقدير.
قال النووي: "العلماء إنما ينكرون ما أجمع عليه الأئمة, وأما المختلف فيه فلا إنكار فيه.. ولكن إن ندبه على جهة النصيحة إلى الخروج من الخلاف فهو حسن محبوب مندوب إلى فعله برفق".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : "وقد اتفق الصحابة في مسائل تنازعوا فيها على إقرار كل فريق للفريق الآخر على العمل باجتهادهم, كمسائل في العبادات والمناكح والمواريث والعطاء والسياسة وغير ذلك". الفتاوى (19/122).
6- استحباب العمل بالمرجوح في هذه المسائل جمعًا للكلمة وتأليفًا للقلوب:
فإذا تعارضت مصلحة وحدة الجماعة وائتلاف كلمتها مع ترك مستحب أو فعل مرجوح, فإن مصلحة الاجتماع أولى بالاعتبار, قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " ولذلك استحب الأئمة أحمد وغيره أن يدع الإمام ما هو عنده أفضل إذا كان فيه تأليف المأمومين ،مثل أن يكون عنده فصل الوتر أفضل بأن يسلم في الشفع ثم يصلي ركعة الوتر وهو يؤم قوما لا يرون إلا وصل الوتر فإذا لم يمكنه أن يتقدم إلى الأفضل كانت المصلحة الحاصلة بموافقته لهم بوصل الوتر أرجح من مصلحة فصله مع كراهتهم للصلاة خلفه وكذلك لو كان ممن يرى المخافتة بالبسملة أفضل أو الجهر بها وكان المأمون على خلاف رأيه ففعل المفضول عنده لمصلحة الموافقة والتأليف التي هي راجحة على مصلحة تلك الفضيلة كان جائزا حسنا..". (الفتاوى: 1: 166).
وقال: "ويستحب للرجل أن يقصد إلى تأليف القلوب بترك هذه المستحبات, لأن مصلحة التأليف في الدين أعظم من مصلحة فعل مثل هذا, كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم تغيير بناء البيت لما في إبقائة من تأليف القلوب, وكما أنكر ابن مسعود على عثمان إتمام الصلاة في السفر ثم صلى خلفه متمًا, وقال: "الخلاف شر". (الفتاوى 22/407).
7- أن هذا النوع من الاختلاف (الخلاف في الفروع )لا يفسد الود, ولا ينقض الولاء:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : "كان العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إذا تنازعوا في الأمر اتبعوا أمر الله تعالى في قوله: (((فَإن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ والرَّسُولِ إن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخرِ ذَلِكَ خيْرٌ وأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)))[النساء:59], وكانوا يتناظرون في المسألة مناظرة مشاورة ومناصحة, وربما اختلف قولهم في المسألة العلمية والعملية, مع بقاء الألفة والعصمة وأخوة الدين".
وقال: "ومن المأثور أن الرشيد احتجم, فاستفتى مالكًا فأفتاه بأنه لا وضوء عليه, فصلى خلفه أبو يوسف ومذهب أبي حنيفة وأحمد أن خروج النجاسة من غير السبيلين ينقض الوضوء, ومذهب مالك والشافعي أنه لا ينقض الوضوء, فقيل لأبي يوسف: أتصلي خلفه؟, فقال: "سبحان الله! أمير المؤمنين, فإن ترك الصلاة خلف الأئمة لمثل هذا من شعائر أهل البدع كالرافضة والمعتزلة".. ولهذا لما سئل الإمام أحمد عن هذا أفتى بوجوب الوضوء, فقال له السائل: فإن كان الإمام لا يتوضأ أأصلي خلفه؟ فقال: سبحان الله! ألا تصلي خلف سعيد بن المسيب ومالك بن أنس!".
فالمخالف في الأمور الاجتهادية لا يشنع عليه ولا يفسق ولا يبدع ولا يذكر من أجل مخالفته ، … ومن صنع شيئاً من ذلك فهو المبتدع المخالف لإجماع الصحابة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : (وقد اتفق الصحابة في مسائل تنازعوا فيها على إقرار كل فريق للفريق الآخر على العمل باجتهادهم ، كمسائل في العبادات ، والمناكح والمواريث والعطاء ، والسياسة ، وغير ذلك ، وحكم عمر أول عام في الفريضة الحمارية بعدم التشريك ، وفي العام الثاني بالتشريك في واقعة مثل الأولى ، ولما سئل عن ذلك قال : تلك على ما قضينا وهذه على ما نقضي. وهم الأئمة الذين ثَبَتَ بالنصوص أنهم لا يجتمعون على باطل ولا ضلالة ، ودل الكتاب والسنة على وجوب متابعتهم) مجموع الفتاوى.
وقال الإمام الذهبي في ترجمة الإمام محمد بن نصر المروزي : (ولو أنا كلما أخطأ إمام في اجتهاده في آحاد المسائل خطأ مغفوراً له قمنا عليه وبدعناه ، وهجرناه ، لما سلم معنا ابن نصر ، ولا ابن مندة ، ولا من هو أكبر منهما ، والله هو هادي الخلق إلى الحق ، هو أرحم الراحمين ، فنعوذ بالله من الهوى والفظاظة) [سير أعلام النبلاء 40/14 ].
1- متى يصبح هذا الاختلاف مذموما؟
إن هذا النوع من الاختلاف بضوابطة السابقة يكون محمودًا, أما إذا خرج عن ذلك وأدى إلى التعصب المذموم واختراق حرمة الأخوة الإيمانية, وتفريق صفوف الأمة, وتمزيق وحدتها, وتفرق الناس بسببه أحزابًا, كل يدعو لمقالات متبوعه, ويعتبرها معقد الولاء والبراء, ويشنع على المخالف ويقدح في دينه وعدالتة فعند ذلك يصبح شرًا, ويخرج أهله من الرحمة إلى النقمة, ومن الجماعة إلى الفرقة, فهذا الخلاف يكون مذمومًا في الحالات التالية وما شابهها:
- التعصب للأئمة ومقالاتهم, وجعلها حكمًا على النصوص الشرعية.
- أن يفضي إلى خرق الصف وتمزيق وحدة المسلمين وتفريق كلمتهم.
- أن يكون معقدًا للولاء والبراء.
- اعتقاد كل فريق أنه وحده على الحق, وأن مخالفه على باطل.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : "وليس لأحد أن ينصب للأمة شخصًا يدعو إلى طريقته, ويوالي ويعادي عليها غير النبي صلى الله عليه وسلم, ولا ينصب لهم كلامًا يوالي عليه ويعادي, غير كلام الله ورسوله وما اجتمعت عليه الأمة, بل هذا من فعل أهل البدع الذين ينصبون لهم شخصًا أو كلامًا يفرقون به بين الأمة يوالون به على ذلك الكلام أو تلك النسبة ويعادون".
إن العلم بفقه هذا النوع من الاختلاف وإدراك منزلته في الشريعة والأحكام المتعلقة به, يفضي بإذن الله تعالى إلى حل كثير من المشكلات وتذليل العقبات التي تحول دون تحقيق المؤسسات الإسلامية في الغرب لأهدافها |
| |
|
المعطاء عـضـو متألــق
عدد الرسائل : 522 المدينة : تطوان تاريخ التسجيل : 08/03/2009
| موضوع: رد: صوت الحق صفات منهج أهل السنة والجماعة الخميس 19 مارس - 15:52 | |
| | |
|