أمير البحر admin
عدد الرسائل : 881 المدينة : تطوان تاريخ التسجيل : 21/08/2008
| موضوع: شيخ الإسلام ابن تيمية يحاور دجاجلة الصوفية الإثنين 29 ديسمبر - 6:00 | |
| شيخ الإسلام ابن تيمية يحاور دجاجلة الصوفية البطائحية
ظهرت في عهد شيخ الإسلام ابن تيمية جماعة تسمى بالبطائحية، وقد كانوا يزعمون الإسلام، وينتسبون إلى الزهد والتصوف، ويدعون التأله والتعبد، ولكنهم يقومون بأعمال شركية، ويظهرون بدعاً ما أنزل الله بها من سلطان، ويحتالون لنيل أغراضهم بالكذب والتلبيس على الناس، ويظهرون أعمالاً وخوارق يدللون بها على أن طريقهم حق وصدق، كالدخول في النار، وملامسة الحيات، وإظهار الدم واللاذن والزعفران وماء الورد والعسل والسكر وغير ذلك.
وقد وقف شيخ الإسلام ابن تيمية في وجه باطلهم، وأنكر عليهم ما خالفوا فيه أحكام الإسلام، وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وجرت بينه وبين رجالهم وزعمائهم مراجعات ومحاورات، فأقام عليهم الحجة، وكشف باطلهم، ثم ناقشهم في محفل عام حضر فيه الأمراء والقواد والعلماء وكثير من أهل دمشق وغيرهم، وسنذكر طرفا مما جرى بينه وبينهم مما ذكره شيخ الإسلام نفسه.
هذه المقدمة وهذا الانتقاء للشيخ الفاضل الأردني أ.د عمر الأشقر حفظه الله .
مجموع فتاوى شيخ الإسلام (11/445-475)
فمن ذلك أن شيخا منهم استدل على باطله بأنه كان عند بعض أمراء التتر بالمشرق، وكان له صنم يعبده، فقال له الأمير التتري هذا الصنم يأكل من هذا الطعام كل يوم، ويبقى أثر الأكل في الطعام بينا يرى فيه. فأنكر الشيخ ذلك، فقال له الأمير التتري إن كان يأكل فأنت تموت. فقال الشيخ: نعم. قال: فأقمت عنده إلى نصف النهار، ولم يظهر في الطعام أثر، فاستعظم ذلك التتري، وأقسم بأيمان مغلظة أنه كل يوم يرى فيه أثر الأكل، لكن اليوم بحضورك لم يظهر ذلك.
شيخ الإسلام يكشف سرّ هذه المسألة:
فقال شيخ الإسلام: أنا أبين لك سبب ذلك: ذلك التتري كافر مشرك. ولصنمه شيطان يغويه بما يظهره من الأثر في الطعام، وأنت كان معك من نور الإسلام وتأييد الله تعالى ما أوجب انصراف الشيطان عن أن يفعل ذلك بحضورك، وأنت وأمثالك بالنسبة إلى أهل الإسلام الخالص كالتتري بالنسبة إلى أمثالك، فالتتري وأمثالهُ سود، وأهل الإسلام المحض بيض ، وأنتم بلق فيكم سوادٌ وبياض.فأعجب هذا المثل من كان حاضراً!!!
شيخ الإسلام يطلب شيخهم للمناظرة:
فقلت لهم: الجواب يكون بالخطاب. فإن جواب مثل هذا الكتاب لا يتم إلا بذلك وحضر عندنا منهم شخص فنزعنا الغل من عنقه، وهؤلاء هم من أهل الأهواء الذين يتعبدون في كثير من الأمور بأهوائهم لا بما أمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم {...وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ...} [القصص:50]؛ ولهذا غالب وجدهم هوى مطلق لا يدرون من يعبدون، وفيهم شبه قوي من النصــارى الذين قال الله تعالى فيهم: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ} [المائدة:77]؛ ولهذا كان السلف يسمون أهل البدع أهل الأهواء.
رفضهم للحجاج وإظهارهم الدجل والتهريج:
فحملهم هواهم على أن تجمعوا تجمع الأحزاب، ودخلوا إلى المسجد الجامع مستعدين للحراب، بالأحوال التي يعدونها للغلاب.
فلما قضيت صلاة الجمعة أرسلت إلى شيخهم لنخاطبه بأمر الله ورسوله صلى الله تعالى عليه وسلم، ونتفق على اتباع سبيله.
فخرجوا من المسجد الجامع في جموعهم إلى قصر الإمارة، وكأنهم اتفقوا مع بعض الأكابر على مطلوبهم، ثم رجعوا إلى مسجد الشاغو ـ على ما ذكر لي ـ وهم من الصياح والاضطراب، على أمر من أعجب العجاب، فأرسلت إليهم مرة ثانية لإقامة الحجة والمعذرة، وطلبًا للبيان والتبصرة، ورجاء المنفعة والتذكرة، فعمدوا إلى القصر مرة ثانية، وذكر لي أنهم قدموا من الناحية الغربية مظهرين الضجيج والعجيج والإزباد والإرعاد، واضطراب الرؤوس والأعضاء، والتقلب في نهر بردي، وإظهار التوله الذي يخيلوا به على الردى، وإبراز ما يدعونه من الحال والمحال، الذي يسلمه إليهم من أضلوا من الجهال .
بين البطائحية والأمير:
فلما رأى الأمير ذلك هاله ذلك المنظر. وسأل عنهم فقيل له: هم مشتكون، فقال: ليدخل شيخهم، وأظهر من الشكوى علي ودعوى الاعتداء مني عليهم كلاما كثيراً لم يبلغني جميعه؛ لكن حدثني من كان حاضرا أن الأمير قال لهم: فهذا الذي يقوله من عنده أومن عند الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: بل يقول عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، قال فأي شيء يقال له؟ قالوا نحن لنا أحوال وطريق يسلم إلينا، قال: فنسمع كلامه فمن كان الحق معه نصرناه، قالوا: نريد أن تشدَّ منا، قال: لا، ولكن أشدُّ من الحق سواء كان معكم أو معه، قالوا: ولابدَّ من حضوره؟ قال: نعم، فكرروا ذلك، فأمر بإخراجهم، فأرسل إليَّ بعض خواصّه من أهل الصدق والدين ممن يعرف ضلالهم، وعرفني بصورة الحال، وأنه يريد كشف أمر هؤلاء.
نصح شيخ الإسلام لهم:
فلما علمت ذلك ألقي في قلبي أن ذلك لأمر يريده الله من إظهار الدين، وكشف حال أهل النفاق المبتدعين، لانتشارهم في أقطار الأرضين، وما أحببت البغي عليهم والعدوان، ولا أن أسلك معهم إلا أبلغ ما يمكن من الإحسان، فأرسلت إليهم من عرفهم بصورة الحال، وأني إذا حضرت كان ذلك عليكم من الوبال، وكثير فيكم القيل والقال، وإن من قعد أو قام قدام رماح أهل الإيمان، فهو الذي أوقع نفسه في الهوان.
فاجتمعوا وأشار عليهم شيخهم بإظهار موافقة الشريعة، والخروج عما ينكر عليهم من البدع، وقال لهم شيخهم: أحوالنا تظهر عند التتار لا عند شرع محمد بن عبد الله، ونزعوا الأغلال من الأعناق وأجابوا إلى الوفاق.
الأمير يصر على كشف باطلهم:
ولكن الأمير أصر على عقد المناظرة لكشف باطلهم، وألزمهم بالحضور.
شيخ الإسلام يستنصر ربّه:
قال رحمه الله: فاستخرت الله تعالى تلك الليلة واستعنته واستنصرته واستهديته، وسلكت سبيل عباد الله في مثل هذه المسالك، حتى ألقي في قلبي أن أدخل النار عند الحاجة إلى ذلك، وأنها تكون بردا وسلاما على من اتبع ملة الخليل، وأنها تحرق أشباه الصابئة أهل الخروج عن هذه السبيل. وقد كان بقايا الصابئة أعداء إبراهيم إمام الحنفاء بنواحي البطائح منضمين إلى من يضاهيهم من نصارى الدهماء.
وبين الصابئة ومن ضلَّ من العباد المنتسبين إلى هذا الدين نسب، يعرفه من عرف الحق المبين، فالغالية من القرامطة والباطنية كالنصيرية والإسماعيلية، يخرجون إلى مشابهة الصابئة الفلاسفة، ثم إلى الإشراك، ثم إلى جحود الحق تعالى. ومن شركهم الغلو في البشر، والابتداع في العبادات، والخروج عن الشريعة لهُ نصيب من ذلك بحسب ما هو لائق، كالملحدين من أهل الاتحــاد، والغالية من أصناف العباد.
يعلق أ.د-عمر الأشقر قائلاً: رحمه الله ما كان أسخاهُ بنفسهِ في سبيل إظهار دين الله وإعلاء كلمته.
استثارتهم للناس وجمعهم الأعــوان والأنصــار: فلما أصبحنا ذهبت للميعاد، وما أحببت أن أستصحب أحداً للإسعاد، لكن ذهب أيضاً بعض من كان حاضراً من الأصحــاب، والله هو المسبب لجميع الأسبــاب.وبلغني بعد ذلك أنهم طافوا على عدد من أكابر الأمراء، وقالوا أنواعاً مما جرت به عاداتهم من التلبيس والافتراء، الذي استحوذوا به على أكثر أهل الأرض من الأكابر والرؤساء، مثل زعمهم أن لهم أحوالاً لا يقاومهم فيها أحد من الأولياء، وأن لهم طريقاً لا يعرفها أحد من العلمــاء.وأن شيخهم هو في المشايخ كالخليفة، وأنهم يتقدمون على الخلق بهذه الأخبـار المنفية، وأن المنكر عليهم هو آخذ بالشرع الظاهر، غير واصل إلى الحقائق والسرائر. وأن لهم طريقاً ولهً طريق. وهم الواصلون إلى كنه التحقيق، وأشبـاه هذه الدعاوى ذات الزخرف والتزويق.
سبب انتشارهم في ديار الإسـلام:
وكانوا لفرط انتشارهم في البلاد، واستحواذهم على الملوك والأمراء والأجنـاد، لخفـاء نور الإسلام، واستبدال أكثر الناس بالنور الظلام، وطموس آثار الرسول في أكثر الأمصـار، ودروس حقيقة الإسلام في دولة التتار، لهم في القلوب موقع هائل، ولهم فيهم من الاعتقاد ما لا يزول بقول قائل.
أنصار الباطل:
قال المخبر: فغدا أولئك الأمراء الأكابر، وخاطبوا فيهم نائب السلطان بتعظيم أمرهم الباهر، وذكر لي أنواعاً من الخطـاب، والله تعالى أعلم بحقيقة الصواب، والأمير مستشعر ظهور الحق عند التحقيق، فأعاد الرسول إليَّ مرة ثانية فبلغه أنَّا في الطريق، وكان كثير من أهل البدع الأضداد، كطوائف من المتفقهة والمتفقرة وأتباع أهل الاتحاد. مجدين في نصرهم بحسب مقدورهم، مجهزين لمن يعينهم في حضورهم. فلما حضرت وجدت النفوس في غاية الشوق إلى هذا الاجتماع، متطلعين إلى ما سيكون طالبين للاطلاع.
كذبهم على الشيخ وفضح الشيخ لهم وكشف لباطلهم:
فلما وصل الشيخ ذكر لهُ نائب السلطان وغيره أنهم قالوا: أن الشيخ طلبهم للامتحان، وأن يحموا الأطواق ناراً ويلبسونها، فأكذب ذلك وقال للأمير: نحن لا نستحل أن نأمر أحداً بأن يدخل ناراً، ولا تجوز طاعة من يأمر بدخول النَّار.
وفي ذلك الحديث الصحيح، وهؤلاء يكذبون في ذلك، وهم كذابون مبتدعون قد أفسدوا من أمر دين المسلمين ودنياهم ما الله به عليم.
وذكرت تلبيسهم على طوائف من الأمراء، وأنّهم لبسوا على الأمير المعروف بالأيدمري. وعلى قفجق نائب السلطنة وعلى غيرهما، وقد لبسوا أيضا على الملك العادل كَتْبُغَا في ملكه، وفي حالة ولاية حماه، وعلى أمير السلاح أجل أمير بديار مصر.
وضاق المجلس عن حكاية جميع تلبيسهم. فذكرت تلبيسهم على الأيدمري، وأنهم كانوا يرسلون من النساء من يستخبر عن أحوال بيته الباطنة، ثم يخبرونه بها عن طريق المكاشفة، ووعدوه بالملك، وأنهم وعدوه أن يروه رجال الغيب، فصنعوا خشبا طوالا وجعلوا عليها من يمشي كهيئة الذي يلعب باكر الزجاج، فجعلوا يمشون على جبل المزة، وذاك يرى من بعيد قوماً يطوفون على الجبل، وهم يرتفعون عن الأرض، وأخذوا منه مالا كثيرا، ثم انكشف له أمرهم.
قلت للأمير: وولده هو الذي في حلقة الجيش يعلم ذلك، وهو ممن حدثني بهذه القصة. وأما قفجق فإنهم أدخلوا رجلا في القبر يتكلم وأوهموه أن الموتى تتكلم، وأتوا به في مقابر باب الصغير إلى رجل زعموا أنه الرجل الشعراني الذي بجبل لبنان، ولم يقربوه منه، بل من بعيد لتعود عليه بركته، فقالوا: إنه طلب منه جملة من المال؛ فقال قفجق الشيخ يكاشف وهو يعلم أن خزائني ليس فيها هذا كله، وتقرب قفجق منه وجذب الشعر فانقلع الجلد الذي ألصقوه على جلده من جلد الماعز، فذكرت للأمير هذا؛ ولهذا قيل لي: إنه لما انقضى المجلس وانكشف حالهم للناس كتب أصحاب "قفجق" إليه كتابا وهو نائب السلطنة بحماه يخبره بصورة ماجرى.
وذكرت للأمير أنهم مبتدعون بأنواع من البدع مثل الأغلال ونحوها وأنا نهيتهم عن البدع الخارجة عن الشريعة، فذكر الأمير حديث البدعة وسألني عنه، فذكرت حديث العرباض بن سارية، وحديث جابر بن عبد الله، وقد ذكرتهما بعد ذلك بالمجلس العام كما سأذكره.
الشيخ مستعد لدخول النار لكشف باطلهم:
قلت للأمير: أنا ما امتحنت هؤلاء، لكن هم يزعمون أن لهم أحوالا يدخلون بها النار، وأن أهل الشريعة لا يقدرون على ذلك، ويقولون لنا هذه الأحوال التي يعجز عنها أهل الشرع ليس لهم أن يعترضوا علينا، بل يسلم إلينا ما نحن عليه –سواء وافق الشرع أو خالفه- وأنا قد استخرت الله سبحانه أنهم إن دخلوا النار أدخل أنا وهم ومن احترق منا ومنه فعليه لعنة الله، وكان مغلوبا، وذلك بعد أن نغسل جسومنا بالخل والماء الحار.
حيلة دخول النار:
فقال الأمير ولم ذاك؟ قلت: لأنهم يطلون جسومهم بأدوية يصنعونها من دهن الضفادع، وباطن قشر النارنج، وحجر الطلق وغير ذلك من الحيل المعروفة لهم، وأنا لا أطلي جلدي بشيء، فإذا اغتسلت أنا وهم بالخل والماء الحار بطلت الحيلة وظهر الحق.
فاستعظم الأمير هجومي على النار، وقال أتفعل ذلك؟ فقلت له: نعم! قد استخرت الله في ذلك وألقي في قلبي أن أفعله، ونحن لا نرى هذا وأمثاله ابتداء؛ فإن خوارق العادات إنما تكون لأمة محمد صلى الله عليه وسلم المتبعين له باطنا وظاهرا لحجة أو حاجة، فالحجة لإقامة دين الله، والحاجة لما لا بد منه من النصر والرزق الذي به يقوم دين الله، هؤلاء إذا أظهروا ما يسمونه إشاراتهم وبراهينهم التي يزعمون أنها تبطل دين الله وشرعه وجب علينا أن ننصر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ونقوم في نصر دين الله وشريعته بما نقدر عليه من أرواحنا وجسومنا وأموالنا، فلنا حينئذ أن نعارض ما يظهرونه من هذه المخاريق بما يؤيدنا الله به من الآيات.
وليعلم أن هذا مثل معارضة موسى للسحرة لما أظهروا سحرهم أيد الله موسى بالعصا التي ابتلعت سحرهم. فجعل الأمير يخاطب من حضره من الأمراء على السماط بذلك، وفرح بذلك، وكأنهم كانوا قد أوهموه أن هؤلاء لهم حال لا يقدر أحد على رده، وسمعته يخاطب الأمير الكبير الذي قدم من مصر الحاج بهادر وأنا جالس بينهما على رأس السماط بالتركي ما فهمته منه إلا أنه قال اليوم ترى حرباً عظيماً، ولعل ذاك جواباً لمن كان خاطبه فيهم على ما قيل.
الأمير يصر على البيان:
وحضر شيوخهم الأكابر فجعلوا يطلبون من الأمير الإصلاح وإطفاء هذه القضية ويترفقون، فقال الأمير: إنما يكون الصلح بعد ظهور الحق، وقمنا إلى مقعد الأمير بزاوية القصر أنا وهو وبهادر فسمعته يذكر له أيوب الحمال بمصر والمولهين ونحو ذلك، فدل ذلك على أنه كان عند هذا الأمير صورة معظمة، وأن لهم فيه ظنا حسنا والله أعلم بحقيقة الحال؛ فإنه ذكر لي.
وكان الأمير أحب أن يشهد بهادر هذه الواقعة ليتبين له الحق فإنه من أكابر الأمراء وأقدمهم وأعظمهم حرمة عنده، وقد قدم الآن وهو يحب تأليفه وإكرامه، فأمر ببساط يبسط في الميدان. وقد قدم البطائحية وهم جماعة كثيرون، وقد أظهروا أحوالهم الشيطانية من الإزباد والإرغاء وحركة الرؤوس والأعضاء، والطفو والحبو والتقلب، ونحو ذلك من الأصوات المنكرات، والحركات الخارجة عن العادات، المخالفة لما أمر به لقمان ابنه في قوله {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ} [لقمان:19].
فلما جلسنا وقد حضر خلق عظيم من الأمراء والكتاب والعلماء والفقراء والعامة وغيرهم، وحضر شيخهم الأول المشتكي، وشيخ آخر يسمي نفسه خليفة سيده أحمد، ويركب بعلمين، وهم يسمونه: عبد الله الكذاب، ولم أكن أعرف ذلك. وكان من مدة قد قدم علي منهم شيخ بصورة لطيفة، وأظهر ما جرت به عادتهم من المسألة فأعطيته طلبته ولم أتفطن لكذبه، حتى فارقني، فبقي في نفسي أن هذا خفي علي تلبيسه إلى أن غاب، وما يكاد يخفى علي تلبيس أحد، بل أدركه في أول الأمر فبقي ذلك في نفسي، ولم أره قط إلى حين ناظرته ذكر لي أنه ذاك الذي كان يجمع بي قديما، فتعجبت من حسن صنع الله أنه هتكه في أعظم مشهد يكون حيث كتم تلبيسه بيني وبينه.
فلما حضروا تكلم منهم شيخ يقال له حاتم بكلام مضمونه طلب الصلح والعفو عن الماضي والتوبة، وأنا مجيبون إلى ما طلب من ترك هذه الأغلال وغيرها من البدع، ومتبعون للشريعة فقلت: أما التوبة فمقبولة. قال الله تعالى: {غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ} [غافر:3] هذه إلى جنب هذه. وقال تعالى: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ(49) وَ أَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ(50)} [الحجر:49-50] .
رد الشيخ عليهم في بدعة لبس أطواق الحديد:
فأخذ شيخهم المشتكي ينتصر للبسهم الأطواق وذكر أن وهب بن منبه روى أنه كان في بني إسرائيل عابد وأنه جعل في عنقه طوقا في حكاية من حكايات بني إسرائيل لا تثبت.
فقلت لهم: ليس لنا أن نتعبد في ديننا بشيء من الإسرائيليات المخالفة لشرعنا، قد روى الإمام احمد في مسنده عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى بيد عمر بن الخطاب ورقة من التوراة فقال: «أمتهوكون يا ابن الخطاب؟ لقد جئتكم بها بيضاء نقيه، لو كان موسى حيا، ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم» وفي مراسيل أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى مع بعض أصحابه شيئاً من كتب أهل الكتاب فقال : «كفى بقوم ضلالة أن يتبعوا كتاباً غير كتابهم أنزل إلى نبي غير نبيهم» وأنزل الله تعالى: {َوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ...} [العنكبوت:51].
فنحن لا يجوز لنا اتباع موسى ولا عيسى فيما علمنا أنه أنزل عليهما من عند الله إذا خالف شرعنا، وإنما علينا أن نتبع ما أنزل علينا من ربنا، ونتبع الشرعة و المنهاج الذي بعث الله به إلينا رسولنا. كما قال تعالى : {...فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً...} [المائدة:48]. فكيف يجوز لنا أن نتبع عباد بني إسرائيل في حكاية لا تعلم صحتها؟! وما علينا من عباد بني إسرائيل؟! {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [البقرة:134]هات ما في القرآن وما في الأحاديث الصحاح كالبخاري و مسلم وذكرت هذا وشبهه بكيفية قوية .
تابع... | |
|
أمير البحر admin
عدد الرسائل : 881 المدينة : تطوان تاريخ التسجيل : 21/08/2008
| |