وهذا تحليل مفصل للقصيدة
معاني بعض الكلمات
وَاحَــرَّ: الواو حرف ندبة ، حر: لهيب واحتراق
شَـبِم: بارد.
سَقَمُ: عليل غير صحيح، مريض.
أُكَـتِّمُ: أخفي لا أبوح
بَـرَى: أضعف وأنحل.
وتَدَّعِي : تتظاهر وتزعم.
فيكَ الخِصامُ : أنت سبب النزاع بيني وبين الآخرين.
وأَنتَ الخَصْمُ: أنت خصمي في القضية لانحيازك لأعدائي.
والحَكَمُ: القاضي الذي سيحكم.
أُعِيذُهــا : أنزهها وأحصنها
تَحْسَـبَ: تظن.
الشَـحمَ: السمنة.
وَرَمُ: انتفاخ.
بِنـاظرِهِ: عينه
صَمَـمُ: عدم السمع.
البَيـداءُ: الجمع ( بيد) الصحراء.
القِرطـاسُ: الورقة أو الصحيفة التي يكتب عليها (الجمع : قراطيس)
يَعِـزُّ: يشق ويعظم ويشتد.
وَجداننــا : إدراكنا
عَـدَمُ: فقدان ، والمراد لا وزن ولا قيمة.
شَــرُّ: أسوأ.
مـا يَكْسِـبُ الإِنسـانُ: ما يناله.
يَصِمُ: يعيب
هـــذا عِتـــابكَ: أي هذا عتابي لك.
مِقَــةٌ : محبة.
ضُمِّــنَ: احتوى وتضمن.
الــدُرَّ: اللؤلؤ
كَـلِمُ: كلمات ( المفرد : كلمة)
الأفكار
1- حب المتنبي لسيف الدولة.
2- عتاب صديق محب لصديقه.
3- فخر بالشعر والفروسية والشجاعة.
4- عزة نفس وكبرياء.
العاطفة
قوية صادقة وقد نجح في مزج أفكاره بعاطفته.
خصائص أسلوب المتنبي:
1- جزالة الألفاظ وقوة العبارة ورصانتها.
2- عمق المعاني والميل إلى التعليل وترتيب الأفكار.
3- القدرة على التصوير والبراعة في استخدام الخيال.
4- شيوع الحكمة الدالة على الخبرة والتجربة.
5- شعره صورة صادقة لعصره وحياته.
6- البعد عن تكلف المحسنات البديعية.
7- ترتيب الأفكار و وضوحها وعمقها.
8- المحافظة على الموسيقا الرنانة قوية الجرس.
التصوير
تبدو مقدرة المتنبي على التصوير ، وقد برع في استخدام الخيال، واعتمد على التشبيه والاستعارة والكناية... من ذلك:
قـد بَـرَى جَسَدي : كناية عن شدة المعاناة وما يلاقيه من آلام بسبب الحب المكتوم.
تَحْسَـبَ الشَـحمَ فيمَـن شَـحْمُهُ وَرَمُ : تشبيه يوضح الفكرة كما يوحي بظلم سيف الدولة للمتنبي.
أَنـا الَّـذي نَظَـرَ الأَعمَـى إلـى أَدَبي ** وأَســمَعَتْ كَلِمـاتي مَـن بِـهِ صَمَـمُ : كناية وتدل على مدى كفاءة الشاعر وقدرته الأدبية وقوة تأثيره في تجسيد حي لمكانته التي لا تخفى على أعمى ولا أصم ، وهو بذلك يؤكد المعنى الذي يريده بواسطة البلاغة.
الخَــيْلُ واللّيــلُ والبَيـداءُ تَعـرِفُني ** والسَـيفُ والـرُمْحُ والقِرطـاسُ والقَلَـمُ:كناية عن البطولة والجرأة والشجاعة والبلاغة والقدرة الأدبية والعلمية التي يتمتع بها الشاعر.
قــد ضُمِّــنَ الــدُرَّ: استعارة تصريحية ، فقد شبه كلماته الرائعة بالدرر وحذف المشبه وصرح بالمشبه به (الدرر) وتوحي ببلاغة الشاعر ومقدرته ومدى حبه لسيف الدولة، إلى جانب التجسيم.
التعبير
عبر الشاعر عن أفكاره بألفاظ جزلة وعبارات متينة التركيب، مما يدل على مقدرته الشعرية ، واستعان بألوان المحسنات البديعية لا سيما الطباق الذي أفاد في إقامة التضاد بين الشاعر وحساده؛ ليظهر خطأ سيف الدولة في جفائه والتقرب من حساده.
وَاحَــرَّ قَلبــاهُ : بدأ بصرخة تجسم الألم الذي يشعر به.
(حَــرَّ - شَـبِم) طباق لتوضيح المعنى وتأكيده.
وَاحَــرَّ قَلبــاهُ مِمَّــن قَلْبُـهُ شَـبِم ** ومَن بِجِسمي وَحالي عِنْدَهُ سَقَمُ
وقد أحدث التصريع في بداية القصيدة جرسا موسيقيا ( اتفاق آخر الشطرين)
مـا لـي أُكَـتِّمُ حُبّـاً قـد بَـرَى جَسَدي : أسلوب إنشائي ، استفهام للتعجب.
(أُكَـتِّمُ - تَدَّعِي ) طباق
أُكَـتِّمُ: فعل مضارع يفيد التجدد ، وتشديد التاء يدل على المبالغة في الكتمان.
قـد بَـرَى جَسَدي : لجأ الشاعر إلى أسلوب التأكيد بقد
يــا أَعـدَلَ النـاسِ إِلاَّ فـي مُعـامَلَتي : أسلوب نداء للعتاب.
فيكَ الخِصامُ: أسلوب قصر، وطريقته تقديم ما حقه التأخير ، ويفيد التوكيد وتخصيص الحكم.
الخَصْمُ والحَكَمُ : طباق.
الشَـحمَ -- وَرَمُ : طباق
ومــا انتِفـاعُ أَخـي الدُنيـا بِنـاظرِهِ : أسلوب استفهام يفيد النفي.
الأَنـوارُ والظُلَـمُ : طباق.
أَنـا الَّـذي نَظَـرَ الأَعمَـى إلـى أَدَبي ** وأَســمَعَتْ كَلِمـاتي مَـن بِـهِ صَمَـمُ : أسلوب خبري يدل على الفخر والاعتزاز بالنفس.
نَظَـرَ -- الأَعمَـى : طباق.
وأَســمَعَتْ -- صَمَـمُ : طباق.
الخَــيْلُ - اللّيــلُ : جناس ناقص أحدث جرسا موسيقيا جميلا.
القِرطـاسُ --- القَلَـمُ : مراعاة النظير.
يــا مَــن يَعِـزُّ عَلَينـا أن نُفـارِقَهم : أسلوب نداْ يوحي بالحب
وَجداننــا -- عَـدَمُ : طباق يوضح المعنى.
وَاحَــرَّ قَلبــاهُ مِمَّــن قَلْبُـهُ شَـبِم ** ومَن بِجِسمي وَحالي عِنْدَهُ سَقَمُ
الشبم: البارد. والشبم: البرد ؛ وقد شبم الماء- بالكسر- فهو شبم، ومطر شبم، وغداة ذات شبم، وقيل لابنة الخس (الخس: رجل من إياد، وابنه الخس: الإيادية التي جاءت عنها الأمثال، واسمها هند ؛ وكانت معروفة بالفصاحة) . ما أطيب الأشياء ؟ قالت: لحم جزور سنمة، في غداة شبمة، بشفار خذمة، في قدور هزمة. أرادت في غداة باردة، والشفار الخذمة: القاطعة ؛ والقدور الهزمة السريعة الغليان، والشبم: الذي يجد البرد مع الجوع، قال حميد بن ثور:
بعَيْنِي قُطامِيٍّ نمَا فوقَ مِرْقَبِ غَدا شَبِمًا يَنْقَضُّ بين الهجارِسِ
(القطامي- بضم القاف وفتحها- الصقر، مأخوذ من القطم، وهو المشتهى اللحم، والهجارس: الثعالب ؛ وقيل جميع ما تعسس من السباع ما دون الثعلب وفوق اليربوع.) يقول: واحر قلبي واحتراقه حبا وهياما بمن قلبه بارد لا يحفل بي ولا يقبل علي، وأنا عنده عليل الجسم لفرط ما أعاني وأقاسي فيه، سقيم الحال لفساد اعتقاده في هذا وقوله واحر قلباه: أصله واحر قلبي، فأبدل من الياء ألفًا طلبا للخفة، والعرب تفعل ذلك في النداء، واستجلب هاء السكت وأثبتها في الوصل كما تثبت في الوقف، وحرك الهاء لسكونها وسكون الألف قبلها، وللعرب في ذلك أمران: منهم من حرك بالضم تشبيها بهاء الضمير، وأنشدوا لامريء القيس:
وَقَدْ رَابنِي قَولهُا يَا هَنَا هُ وَيحكَ أَلْحَقْتَ شَرَّا بِشرً
(قولهم يا هناه: أي يا رجل، لا يستعمل إلا في النداء، يقول: كنا متهمين فحققت الأمر) ومنهم من يحرك بالكسر على ما يوجد كثيرًا عند التقاء الساكنين.
مـا لـي أُكَـتِّمُ حُبّـاً قـد بَـرَى جَسَدي ** وتَدَّعِي حُبَّ سَيفِ الدَولةِ الأُمَمُ
براه: أنحله وأضناه: وأكتم: مبالغة من الكتمان، وتدعى: منصوب بأن مضمرة بعد الواو، وسكنه ضرورة، أو على لغة. يقول: إذا كان الناس يدعون حبه ويظهرون خلاف ما يضمرون فلم أخفي أنا حبه الذي برح بي وأسقمني، وأعين على نفسي بهذا الكتمان ؟
يــا أَعـدَلَ النـاسِ إِلاَّ فـي مُعـامَلَتي ** فيكَ الخِصامُ وأَنتَ الخَصْمُ والحَكَمُ
يقول: أنت أعدل الناس إلا إذا عاملتني فإن عدلك لا يشملني ؛ وفيك خصامي وأنت الخصم والحكم، لأنك ملك لا أحاكمك إلى غيرك، وإنما أستعدي عليك حكمك والخصام وقع فيك. وإذن كيف ينتصف منك ؟ قال ابن جني: هذه شكوى مفرطة لأنه قال في موضع آخر:
ومَا يُوُجِعُ الحْرمانُ مِنْ كفِّ حارمِ كما يوُجع الحْرمانُ من كف رازق
وإذا كان عدلا في الناس كلهم إلا في معاملته فقد وصفه بأقبح الجور.
أُعِيذُهــا نَظَــراتٍ مِنْــكَ صادِقَـةً ** أَنْ تَحْسَـبَ الشَـحمَ فيمَـن شَـحْمُهُ وَرَمُ
قال ابن جني: سألته- أي المتنبي- عن الهاء (في أعيذها) على أي شيء تعود ؟ فقال: على (النظرات) وقد أجاز مثله أبو الحسن الأخفش في قوله تعالى (فإنها لا تعمى الأبصار) فقال: الهاء راجعة إلى الأبصار وغيره من النحويين يقول: إنها إضمار على شريطة التـفسير، كأنه فسر الهاء بالنظرات، ونظرات- كما قال التبريزي- في موضع نصب على التمييز: أي من نظرات. يقول: إنك إذا نظرت إلى شيء عرفته على ما هو عليه فنظراتك صادقة تصدقك فلا تغلط فيما تراه فلا تحسب الورم شحما. وهذا مثل، يقول: لا تظن المتشاعر شاعرا كما يحسب الورم سمنا.
ومــا انتِفـاعُ أَخـي الدُنيـا بِنـاظرِهِ ** إِذا اســتَوَتْ عِنـدَهُ الأَنـوارُ والظُلَـمُ
الناظر: العين. يقول: إذا لم يميز الإنسان البصير بين النور والظلمة فأي نفع له في بصره ؟ يعني: يجب أن تميز بيني وبين غيري ممن لم يبلغ درجتي كما تميز بين النور والظلمة، لأن الفرق بيني وبين غيري ظاهر ظهور الفرق بين النور والظلمة، فلا ينبغي أن يستويا في عيني البصير.
سَــيَعْلَمُ الجَـمْعُ مِمَّـن ضَـمَّ مَجْلِسُـنا ** بِــأنَّني خَـيْرُ مَـن تَسْـعَى بِـهِ قـدَمُ
أَنـا الَّـذي نَظَـرَ الأَعمَـى إلـى أَدَبي ** وأَســمَعَتْ كَلِمـاتي مَـن بِـهِ صَمَـمُ
يقول: إن الأعمى على فساد حاسة بصره أبصر أدبي، وكذلك الأصم سمع شعري، يعني: أن شعره سار في آفاق البلاد واشتهر حتى تحقق عند الأعمى والأصم أدبه، فكأن الأعمى رآه لتحققه عنده ؛ وكأن الأصم سمعه. وكان المعري إذا أنشد هذا البيت يقول: أنا الأعمى.
أَنـامُ مِـلءَ جُـفُوفي عـن شَـوارِدِها ** ويَسْــهَرُ الخَــلْقُ جَرَّاهـا ويَخـتَصِمُ
الشوارد: سوائر الأشعار- من قولهم شرد البعير: إذا نفر- والضمير في (شواردها): للكلمات ؛ قال ابن جني: يحتمل أن يراد بالكلمات: جمع كلمة التي هي اللفظة الواحدة، وهذا أشد في المبالغة. ويجوز أن يعني بالكلمات القصائد، وهم يسمون القصيدة كلمة. وملء جفوني موضع المصدر: أي أنام نومًا ملء جفوني. ويقال: فعلت ذلك جراك ومن جرائك: أي من أجلك. وكذلك من جلالك ومن إجلالك، ومن جللك، كله من أجلك قال جميل:
رَسْمِ دارِ وَقفْتُ في طَلَـلِه كِدْتُ أَقْضِي الغَدَاةَ من جَلَلِـه
[ أي من أجله. وقيل من جللك: من عظمك في عيني. وقوله رسم دار: قال ابن سيده: أراد رب رسم دار، فأضمر (رب) وأعملها فيما بعدها مضمرة] وأنشد الكسائي على قولهم: فعلته من جلالك- أي من أجلك- قول كثير:
حَيائِيَ مِنْ أسماءَ والْخَرقُ بَينَنا وإكرَامِيَ القَوْمَ العِدَا من جَلالهِا
[ الخرق: البعد] ووحد الضمير في (يختصم) على لفظ الخلق، لا معناه. يقول أنا أنام ملء جفوني عن شوارد الشعر لا أحفل بها لأني أدركها متى شئت بسهولة، أما غيري من الشعراء فإنهم يسهرون لأجلها ويتعبون ويختصمون. قال الواحدي: ومعنى الاختصام اجتذاب الشيء من النواحي والزوايا مأخوذ من الخصم، وهو طرف الوعاء (جاء في اللسان: الخصم- بالضم- جانب العدل وزاويته، يقال للمتاع إذا وقع في جانب الوعاء من خرج أو جوالق أو عيبة: قد وقع في خصم الوعاء وفي زاوية الوعاء، قال: وخصوم السحابة جوانبها. قال الأخطل يصف سحابًا:
إذا طَعَنَت فيه الْجَنُوبُ تحامَلتْ بأعجاز جرّار تَدَاعى خصومها
أي تجاوب جوانبها بالرعد، وطعن الجنوب فيها سوقها إياه، والجرار: الثقيل ذو الماء، وتحاملت بأعجازه دفعت أواخره خصومها: أي جوانبها) يقول: إنهم يجتذبون الأشعار احتيالا ويجتلبونها استكراهًا.
الخَــيْلُ واللّيــلُ والبَيـداءُ تَعـرِفُني ** والسَـيفُ والـرُمْحُ والقِرطـاسُ والقَلَـمُ
البيداء: الفلاة ؛ وتعرفني: يروى تشهد لي، ويروى بدل السيف والرمح الضرب والطعن وروى الواحدي: والحرب والضرب. يصف نفسه بالشجاعة والفصاحة وأن هذه الأشياء ليست تنكره لطول صحبته إياها. يقول: الليل يعرفني لكثرة سراي فيه وطول إدراعي له، والخيل تعرفني لتقدمي في فروسيتها، والبيداء تعرفني لمداومتي قطعها واستسهالي صعبها، والسيف والرمح يشهدان بحذقي في الضرب بهما، والقراطيس تشهد لإحاطتي بما فيها، والقلم عالم بإبداعي فيما أقيده، هذا: والقرطاس والقرطاس والقرطاس والقرطس كله الصحيفة الثابتة التي يكتب فيها. وأنشد أبو زيد لمخش العقيلي يصف رسوم الدار وآثارها كأنها خط زبور كتب في قرطاس:
كأنّ بحيْثُ اسْتَودَعَ الدّارَ أهْلُهْا مَخَطّ زَبُورٍ مِنْ دَوَاةٍ وَقِرْطَس
صَحِـبتُ فـي الفَلَـواتِ الوَحشَ مُنْفَرِداً ** حــتَّى تَعَجَّـبَ منَّـي القُـورُ والأَكَـمُ
الفلوات: القفار، والقور: جمع قارة، وهي الأرض ذات الحجارة السوداء، والقور أيضا: أصاغر الجبال ؛ وأعاظم الآكام- جمع أكمة- قال منظور بن مرئد الأسدي:
هَلْ تَعْرِف الدار بأعْلى ذِي القُورْ قد دَرَسَتْ غَيرَ رَمَادٍ مَكْفُورْ
مُـكْـتَئِبِ اللّوِنِ مَرُوحٍ ممطورْ أزْمانَ عَيْناءُ سُرورُ المسْرُورْ
(قوله بأعلى ذي القور: أي بأعلى المكان الذي بالقور. وقوله قد درست غير رماد مكفور. أي درست معالم الدار إلا رمادا مكفورا، وهو الذي سفت عليه الريح التراب فغطاه وكفره. وقوله مكتئب اللون: يريد أنه يضرب إلى السواد كما يكون وجه الكئيب، ومروح أصابته الريح ؛ وممطور أصابه المطر، وعيناء مبتدأ وسرور المسرور خبره والجملة في موضع خفض بإضافة أزمان إليها. يقول: هل تعرف الدار في الزمان التي كانت فيه عيناء سرور من رآها وأحبها.) والقور: يروى القوز- بفتح القاف وبالزاي- وهو الكثيب الصغير. وجمعه أقواز وقيزان. قال ذو الرمة:
إلى ظعُنٍ يَقْرضنَ أقوازَ مُشْرِفٍ شمالا وَعن أيمانِهنّ القَوارِسُ
(قرض المكان يقرضه قرضا: عدل عنه وتنكبه، ومشرف والفوارس: موضعان يقول: نظرت إلى ظعن يجزن بين هذين الموضعين.) ويروى: الغور، وهو المطئن من الأرض، والأكم: جمع أكمة، الجبل الصغير. يقول: سافرت وحدي وصحبت الوحش في الفلوات منفردا بقطعها مستأنسا بصحبة حيوانها حتى تعجب مني نجدها وغورها لكثرة ما تلقاني وحدي.
يــا مَــن يَعِـزُّ عَلَينـا أن نُفـارِقَهم ** وَجداننــا كُـلَّ شَـيءٍ بَعـدَكُمْ عَـدَمُ
يقول: يا من يشتد علينا فراقه بما أسلف إلينا من عوارفه كل شيء وجدناه بعدكم فإن وجدانه عدم، يعني لا يغني غناءكم أحد ولا يخلفكم عندنا بدل.
مــا كــانَ أَخلَقَنــا مِنكُـم بِتَكرِمـة ** لَــو أَن أَمــرَكُمُ مِــن أَمرِنـا أَمَـمُ
ما أخلقه بكذا وأقمنه وأجدره وأحراه وأولاه: بمعنى، وأمم قريب يقول: يقول: ما كان أحرانا ببركم وتكرمتكم في الاعتـقاد لنـا على نحو أمرنا في الاعتقاد لكم! يعني لو تقارب ما بيننا بالحب لكرمتمونا، لأنا أهل للتكرمة.
إِن كــانَ سَــرَّكُمُ مـا قـالَ حاسِـدُنا ** فَمــا لِجُــرْحٍ إِذا أَرضــاكُمُ أَلَــمُ
يقول: إن سررتم بقول حاسدنا وطعنه فينا فقد رضينا بذلك إن كان لكم به سرور، فإن جرحا يرضيكم لا نجد له ألما، لأن كل سرورنا في سرورنا في سروركم ورضانا في رضاكم، قال الواحدي: هذا من قول منصور الفقيه:
سُرِرْت بهَجْرِكِ لمّا عَلِم تُ أنّ لقَلبِك فيهِ سُرُورَا
وَلوْلا سُرُورُك ما سَرّني ولا كُنْتُ يومًا عَلَيْهِ صَبُورا
لأني أرَى كلَّ ما ساءَني إذا كان يُرضيكِ سهلا يسيرا
كَــم تَطلُبُــونَ لَنـا عَيبـاً فيُعجِـزُكم ** ويَكــرَهُ اللــه مـا تـأْتُونَ والكَـرَمُ
يقول: كم تحاولون أن تجدوا لي عيـبا تعيبوننا وتتعلقون عليه وتعتذرون به في معاملتي فيعجزكم وجوده، وهذا الذي تفعلونه يكرهه الله ويكرهه الكرم الذي يأبى عليكم إلا أن تنصفوني منكم وتكافئوني بالجميل. وهذا تعنيف لسيف الدولة على إصغائه إلى الطاعنين عليه والساعين بالوشاية.
مـا أَبعَـدَ العَيْـبَ والنُقصانَ من شَرَفي ** أَنــا الثُرَيَّــا وَذانِ الشَـيبُ والهَـرَمُ
وذان: أي العيب والنقصان يقول: إن بعد ما بيني وبين النقصان والعيب كبعد الثريا من الشيب والهرم، فكما لا يلحقها الشيب والهرم لا يلحقني العيب والنقصان
شَــرُّ البِـلادِ مَكـانٌ لا صَـديقَ بـهِ ** وشَـرُّ مـا يَكْسِـبُ الإِنسـانُ مـا يَصِمُ
يصم: يعيب. يقول: شر البلاد مكان لا يوجد فيه من يستروح إليه ويؤنس بوده وشر ما كسبه الإنسان ما عابه وأذله، يريد أن هبات سيف الدولة وإن كثرت- مع جلالتها وسعتها- لا تعادل تقصيره في حقه وإيثاره لحساده.
بــأَيَّ لَفْــظٍ تَقُـولُ الشِـعْرَ زِعْنِفـةٌ ** تجُــوزْ عِنـدَكَ لا عُـرْبٌ وِلا عَجَـمُ
الزعنفة - وجمعه زعانف - اللئام السقاط من الناس. وهو مأخوذ من زعنفة الأديم - الجلد - وهو ما تساقط من زوائده، أو من زعانف السمك - وهي أجنحته - أو من زعانف القميص وهي ما تخرق من أسافله وكل هذا يشبه به الأوباش ورذال الناس. وتجوز من جواز الدرهم وهو رواجه، وروى تخور: من خوار البقر، وهو تصح-ف، كما قال الواحدي، وإن كان صحيحًا في المعنى. وهذا كما يروى أن رجلا قرأ على حماد الراوية شعر عنترة:إذ تستبيك بذِي غروب واضحٍ فأبدل من الباء في (تستبيك) نونا، فضحك حماد وقال: أحسنت، لا أرويه بعد اليوم إلا كما قرأت. يقول - مخاطبا سيف الدولة-: هؤلاء السقاط من الشعراء بأي لفظ يقولون الشعر وهم ليسوا عربا؟ لأنهم ليست لهم فصاحة العرب ولا كلامهم أعجمي يفهمه الأعجام: أي أنهم ليسوا شيئا. وعبارة الواحدي: هؤلاء الخساس اللثام من الشعراء بأي لفظ يقولون الشعر وليست لهم فصاحة العرب ولا تسليم العجم الفصاحة للعرب فليسوا شيئا؟.`
هـــذا عِتـــابكَ إِلاَّ أَنَّــهُ مِقَــةٌ ** قــد ضُمِّــنَ الــدُرَّ إِلاَّ أَنَّـهُ كَـلِمُ
المقة: المحبة. يقول: هذا الذي أتاك من الشعر عتاب مني إليك إلا أنه محبة وود، لأن العتاب يجري بين المحبين
ويبقى الود ما بقي العتاب
وهو در- يعني حسن نظمه ولفظه- إلا أنه كلمات، وعبارة العكبري: هذا عتابك وهو وإن أمضك وأزعجك محبة خالصة ومودة صادقة، فباطنه غير ظاهره، كما أنه قد ضمن الدر لحسنه، وإن كان كلامًا معهودًا في ظاهر لفظه.
.........................................