احتشم أنت في الهند
كتب:فهمي هويدي
03/11/1431 الموافق 10/10/2010
إعجابنا بالديمقراطية في الهند مفروغ منه، لكن اعتزاز الهند بثقافتها وتقاليدها مسكوت عليه،
وقد أكبرت ذلك الاعتزاز يوما ما حين احتج الهنود على شركات المطاعم العالمية حين فتحت فروعا لها في مدنهم الكبرى ،وقدمت فيها وجبات الطعام الغربية ،متجاهلة بذلك مكونات الطعام في الهند، وهو ما اعتبر آنذاك من قبيل تغريب الذائقة الهندية، ومن ثم عدوانا على تقاليدها يتعين مقاومته.
وقتذاك لم تجد الشركات العالمية حلا للإشكال سوى أن تضيف بعض الوجبات الهندية إلى ما تقدمه، وأن تستخدم في الوجبات الأخرى «البهارات» التي يتذوقها الهنود وتشيع في طعامهم.
قبل أيام قليلة ذهبت السلطات الهندية إلى أبعد، حين أعلنت عن مجموعة من الممنوعات والتوجهات التي يتعين على السياح مراعاتها، بمناسبة انعقاد دورة ألعاب الكومنولث التي تعقد بنيودلهي في الفترة من 3 إلى 14 أكتوبر.
وهذه الممنوعات والإرشادات وضعتها اللجنة المنظمة للدورة، وجرى تعميمها من خلال الموقع الإلكتروني الخاص بالألعاب، وهي تقضي بما يلي:
- يجب الحذر من مظاهر الإعجاب الشائعة في المجتمعات الأخرى، حيث لا يقبل في الهند تقبيل الفتاة البالغة أو عناقها، ما لم يكن ذلك داخل دوائر هندية غربية، وليست هندية خالصة.
- التواضع في الملبس عنصر مهم في الحياة الهندية، وبعيدا عن الشواطئ يجب أن يحترم المرء العادات المحلية، بوجه أخص فإن زيارة المعابد أو الأماكن الدينية لها تقاليدها التي يتعين مراعاتها، حيث يجب ارتداء السراويل أو الثياب الطويلة وليس «الجونلات القصيرة»، كما يجب تغطية الأكتاف، وفي المعابد السيخية يجب تغطية الرأس أيضا.
- يجب خلع الحذاء قبل الدخول إلى أي منزل داخل الهند، وإذ دعاك شخص ما لحضور عشاء في بيته خذ معك علبة من الحلوى أو الشيكولاتة للأطفال، بدلا من زجاجة نبيذ، ،مع مراعاة أن وضع القدم على الأثاث (الشائع عند الأمريكيين) يعد من مظاهر السلوك السيئ.
- المراحيض العامة قليلة وقذرة، ولذلك يجب الاحتياط عند استخدامها، عن طريق أخذ المناديل اللازمة في هذه الحالة.
- يستحسن المناقشات حول الأديان والمعتقدات في البلد الذي تتعدد فيه الديانات، ويقتضي الاحترام المتبادل إغلاق باب المناقشة حول هذه الأمور؛ لأن ذلك من متطلبات استتبات السلام الاجتماعي.
حين وقعت على هذا التقرير في ثنايا رسالة بعث بها مراسل صحيفة الشرق الأوسط في الهند، قلت هذا بلد احترم نفسه واعتز بتقاليده فاستحق أن يحترمه الآخرون.
وكان أول سؤال خطر لي هو:
ماذا يمكن أن يحدث في مصر أو في أي بلد عربي آخر إذا ما طولب السياح وغيرهم من القادمين إليه باحترام ثقافة البلد وتقاليده؟..
ما أعرفه وألاحظه أن بلادنا مستباحة أمام السياح، وأن كلمة سائح أصبحت تعني كائنا يستطيع أن يفعل ما يشاء، في مظهره ومسلكه، وطالما أنه لم يخالف القانون المكتوب فلا تثريب عليه في شيء.
وطالما أنه يتحرك «بفلوسه» فهو حر فيما يفعل، خصوصا أن هناك تعويلا كبيرا على ما تدره السياحة من دخل للموازنة العامة.
فالسائحات في منطقة الخليج ــ الروسيات بوجه أخص ــ يمارسن في العلن أنشطة شبه علنية تتحدى كل الأعراف والأخلاق والتقاليد، فضلا عن القوانين،وفي بعض الدول العربية الأخرى المطلة على البحر، تتعدد شواطئ العراة، كما أن السياح يسيرون في الشوارع ويجوبون الأسواق بصورة تستفز مشاعر المواطنين العاديين.
لو أن أحدا في بلادنا دعا وزارة السياحة إلى إرشاد السياح إلى ما يجب احترامه من تقاليد المجتمع وأخلاقياته، لتعالت الأصوات من كل صوب منددة ومستنكرة ومحذرة من انخفاض دخل البلد من السياحة، ناهيك عن إطلاق تهم الأصولية والوهابية والطالبانية (نسبة إلى حركة طالبان في أفغانستان) حتى أزعم أن هذه الأوصاف كان يمكن أن يدمغ بها الذين أعدوا قائمة الإرشادات في الهند، لولا أن ربك سترها، وتبين أنهم من السيخ والهندوس.
إن الدرس الذي نتعلمه من النموذج الذي نحن بصدده هو أنك ستُحترم إذا احترمت نفسك أولاً،
أما إذا احتقرت نفسك وفرطت في كرامتك فلن يحترمك أحد، حتى إذا أغدقت عليك ما شئت من فلوس، حيث لا قيمة للمرء إذا امتلأ جيبه ثم خسر نفسه.
............................
المصدر : صحيفة السبيل الأردنيه