أمير البحر admin
عدد الرسائل : 881 المدينة : تطوان تاريخ التسجيل : 21/08/2008
| موضوع: (أيام فى تطوان) مقالات رائعة للدكتور محمد بن موسى الشريف الثلاثاء 12 أكتوبر - 14:19 | |
| | |
|
أمير البحر admin
عدد الرسائل : 881 المدينة : تطوان تاريخ التسجيل : 21/08/2008
| موضوع: رد: (أيام فى تطوان) مقالات رائعة للدكتور محمد بن موسى الشريف الثلاثاء 12 أكتوبر - 14:20 | |
| | |
|
أمير البحر admin
عدد الرسائل : 881 المدينة : تطوان تاريخ التسجيل : 21/08/2008
| موضوع: رد: (أيام فى تطوان) مقالات رائعة للدكتور محمد بن موسى الشريف الثلاثاء 12 أكتوبر - 14:23 | |
| أيام في تِطْوان (2/4)
حضرت بعض جلسات المؤتمر المغاربي الأول والوطني الثاني للإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية في جامعة عبد المالك السعدي بتطوان في المغرب، وقد بينت للقراء في الحلقة السابقة من هو السلطان العظيم عبد المالك السعدي، وفي ضوء استماعي لما عرض من أبحاث ألفيت بعضها لا يخلو من ضعف وهذا الضعف ظاهر في الآتي:
1. الحديث بغير الفصحى ، وهذه مشكلة؛ فإن الباحث في الإعجاز لابد له أن يكون ملماً بالفصحى على وجه يمكنه من إلقاء بحوثه بها؛ إذ أن من لا يحسن العربية لا يستطيع تذوق الإعجاز على وجه يمكنه من إحسان عرضه على الناس، ثم إن هنالك مصطلحات كثيرة واردة في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يَفتقر فهمها إلى تمكن لغوي حتى لا يُخبط فيها خبط عشواء، ومن الأمثلة على تلك المصطلحات: أمشاج، نطفة، علقة، مضغة، ماء دافق، إذا علا ماء الرجل ماء المرأة، بينهما برزخ لا يبغيان، السموات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما، وما تغيض الأرحام إلى آخر تلك المصطلحات التي كلما كان الباحث متمكناً من العربية كان ذلك أعون له على فهمها وضبطها، ولئن قيل بالرجوع إلى المعاجم والتفاسير والشـروح ـ وهذا أمر واجب ـ فالخـوف هو من عدم فهـم ما قيل في تلك المعاجم بسبب القصور في فهم اللغة، أو عدم الوقوف على المصادر الأصيلة الثرية بسبب الضعف في امتلاك وسائل البحث والنظر والترجيح، وهذا أمر شائع في أساتذة الإعجاز ذلك لأن نصيبهم من العلوم الشرعية واللغوية قليل غالباً.
2. الاستشهاد ببعض الأحاديث الضعيفة: ومن المعلوم أن الاعتماد في أبحاث الإعجاز في السنة النبوية إنما هو على الأحاديث الصحيحة فقط لا يتعداها إلى غيرها إلا في حال النظر والمقارنة بما يعرف عند المحدثين بالاعتبار بالشواهد والمتابعات.
3. بعض الأبحاث تلقى على أنها من الإعجاز وهي ليست من الإعجاز في شيء: وغاية أمرها وقصارى شأنها أن تكون من باب التوجيه والتنبيه والإرشاد، وبعض الأبحاث يكون بناء الإعجاز فيها على أسس غير قويمة من حيث النظر الشرعي أو النظر العلمي الطبيعي أو كليهما معاً.
هذا وقد أثرى المؤتمر بأبحاثه وتعليقاته الأستاذ الدكتور زغلول النجار، وقد كان لي شرف المشاركة معه ومع الأستاذ الدكتور إدريس الخرشاف مسؤول مكتب هيئة الإعجاز العلمي في المغرب سابقاً، وهذه الندوة من مبتكرات هذا المؤتمر فقد كان عنوانها: "التطبيقات الدعوية في الإعجاز"، وقد عدد الأستاذ زغلول فيها أنواع الإعجاز في القرآن الكريم، وتوقف عند بعضها شارحاً بإيجاز، وقد أتى بأمثلة على دعوة الغربيين جليلة، وذكر من الحوادث إسلام موريس بوكاي، وإسلام عدد من الأساتذة العلميين الغربيين، وبين أهمية ترجمة أبحاث الإعجاز إلى اللغات الحية خاصة الغربية.
وقد تحدث الأستاذ إدريس الخرشاف مبيناً أن الحديث عن الإعجاز كان من الأمور غير المستساغة في المغرب من عشرين سنة خلت، لكن المحاولات الدائبة لإقراره وفرضه أوصلته إلى أن يضمن اليوم في بعض مناهج الجامعات ولله الحمد.
وقد تحدثت مع الحضور عن عدد من المسائل أوجزها في التالي:
• عظم مهمة طلبة الجامعة ـ وكلهم من ذوي الاختصاصات العلميـة الطبيعيـة ـ في إيصال هذا الإعجاز للعقول والقلوب، وإن الصحوة في العالم العربي قد قامت على جهود أمثالهم ولم تكن مشاركة طلبة العلوم الشرعية وأساتذتها في قيام هذه الصحوة إلا قليلة في الأغلب الأعم.
• الإعجاز وسيلة وغاية، فهو وسيلة رائعة للدعوة إلى الله في هذا العصر، وهو في الوقت نفسه غاية لزيادة الإيمان وتعميق اليقين.
• وقد كان لي محاضرة عن الإعجاز اللغوي في كتاب الله تعالى ، وقد بينت فيها أن القرآن العظيم نزل في وقت معجز، وهو الوقت الذي ظن العرب فيه أنهم امتلكوا ناصية البيان ففاجأهم الله بهذا القرآن العظيم، وقد كان للرافعي الأديب المصري المشهور كلمة لو كان الأمر إليَّ لعلقتها في الجوامع ومراكز التحفيظ ومجامع اللغة ولكتبتها بماء الذهب وهي قوله: لقد كان للعرب دولة من الكلام لكنها ظلت بلا ملك حتى جاءهم القرآن !! فلله كم وُفق في كلمته هذا وكم أبدع فيها.
• ثم تحدثت عن أثر القرآن العظيم في الصدر الأول ومن بعدهم وكيف أنه لا يحدث في نفوسنا الأثر نفسه اليوم وما ذاك إلا لضعف اللغة فينا، وضعف تذوقنا لها، وضربت على ذلك أمثلة متنوعة.
• ثم أنهيت المحاضرة بالحديث عن أهمية الإعجاز اللغوي اليوم ، وذلك لأن بعض الباحثين يظن أنه قد انتهت فائدته في عالمنا اليوم وأنه صار جزءاً من الماضي؛ وقد بينت أهميته اليوم في جوانب عديدة منها: الاستعانة به في الارتقاء بلغة النشء إعراباً وجزالة ورصانة، وتعميق الإيمان بصحة القرآن الكريم وأنه من عند الله وهذا من شقين:
الشق الأول: لما عجز الأوائل عن أن يأتوا بمثله فنحن عنه أعجز. والشق الآخر: أن بعض أساليب القرآن التي تنم عن الجبروت والعزة والكبرياء لا يمكن أن يأتي بها النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يؤثر العبودية وخفض الجناح، وضربت على ذلك أمثلة أهمها ما جاء في سورتي الرعد وغافر، وهذا يعظم اليقين في إلهية القرآن الكريم.
وأيضاً يمكن الاستفادة من الإعجاز اللغوي اليوم في صياغة القوانين والنظم صياغة تربوية كما جاء في كتاب الله تعالى، فقد سيقت آيات الأحكام مساقاً يجمع بين الترغيب والترهيب على وجه معجز وهيئة عجيبة من الجمع بين اللين والحزم، وعدم الإملال حتى في أطولها نصاً كما في آية الدين، فلو صيغ الفقه الإسلامي اليوم هذه الصياغة لعاد على المسلمين نفع عظيم.
• ثم بينت أن الأهمية العظمى للإعجاز اللغوي اليوم هي ضبط أبحاث الإعجاز العلمي التي يرتكز أكثرها على مصطلحات لغوية معجزة لابد من دراستها وضبط معانيها على أيدي علماء الإعجاز اللغوي والمتضلعين من العربية فهماً وذوقاً وممارسة، وقد ذكرت في أول هذا المقال بعض هذه المصطلحات.
• ثم اختتم المؤتمر يوم الأحد، وقد كانت بدايته في يوم الجمعة ، ولم يكن في المؤتمر أبحاث جديدة جدة مطلقة لكن كان هناك أبحاث عرضت على هيئة تجديدية، وكانت هناك جوانب عرضت في بعض الأبحاث فيها جدة وطرافة، لكن الأمر المهم أن هذا المؤتمر جذب أكثر من ألف طالب وطالبة من الكليات العلمية في الجامعة، وكان لهم مع الأبحاث تجاوب، وكان لها صدى في قلوبهم وعقولهم، وقد ظهر هذا من المناقشات والأسئلة والنقد والتقويم الذي كان بعد كل جلسة من جلسات المؤتمر، وهذا أمر مهم خاصة في بلد كالمغرب ليس له صلة قوية من قبل بأبحاث الإعجاز وأساتذته ورموزه.
| |
|
أمير البحر admin
عدد الرسائل : 881 المدينة : تطوان تاريخ التسجيل : 21/08/2008
| موضوع: رد: (أيام فى تطوان) مقالات رائعة للدكتور محمد بن موسى الشريف الثلاثاء 12 أكتوبر - 14:29 | |
| أيام في تِطْوان (3/4)
دُعي الباحثون الضيوف إلى المجلس العلمي في تطوان، والمجلس العلمي في مدن المغرب إنما هو كفروع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في بلدان المشرق تقريباً، فهو المسؤول عن المساجد والأئمة والأنشطة الدعوية المختلفة، وقابلنا رئيس المجلس وبعض أعضائه، ودار حديث متنوع عن المذهب المالكي، وعن الدعوة في المغرب، وعن مهام المجلس العلمي.
وقد جلست بجوار الدكتور زغلول حفظه الله، وقد قدمني إلى رجل بجواره اسمه عبد الصمد روميرو رومان، وهو من مسلمي الأسبان، وقد أسلم من سبع وعشرين سنة ، ويدير مركزاً إسلامياً في غرناطة، وقد ذكر لي الأستاذ زغلول أن قصة إسلامه عظيمة وتستحق أن توضع في رسالة تطبع وتوزع على الناس فاستحسنت الفكرة وحثثت الأستاذ عبد الصمد على الإسراع فيها، ثم تشعب الحديث بيني وبين الأستاذ الدكتور زغلول إلى الحديث عن امرأة نصرانية مصرية أسلمت في قصة عجيبة، فقد كانت نصرانية متعصبة جداً تكره كل ماله صلة بالإسلام والمسلمين، بل تحتقر كل ذلك، وأسرتها متعصبة مثلها، وحدث أن توظفت في شركة أمريكية في مصر كل من فيها نصارى إلا العاملين من السائقين والخادمين، وكانت تتمنى في قرارة نفسها أن لو كان هؤلاء نصارى أيضاً، وحدث أن ترأست الشركة امرأة أمريكية فسُرت هذه المصرية، ورأت أنها فرصة مناسبة للتخلص من كل مسلمي الشركة، وكان بين هؤلاء العمال شاب مصري ذكي نابه عارف بالإسلام فكانت الرئيسة تحاوره فيفحمها، فأرادت أن تأخذه إلى رئيس كنيستها في القاهرة فوافق وذهبت المصرية معهما، وكان الشاب موفقاً فأفحم رئيس الكنيسة، فاندهشت الأمريكية وبعد سنة أسلمت، فصدمت المصرية صدمة بالغة وتألمت، وساقها ألمها وصدمتها للقراءة عن الإسلام لتعرف كيف جذب تلك الأمريكية، ثم أسلمت هي أيضاً بعد ذلك، وطلقها زوجها، وحوربت لكنها صبرت في قصة جليلة رائعة، وأرى ـ والله أعلم ـ أن قصص إسلام النصارى وغيرهم من أجل القصص وأحسنها، ومن أعظمها فائدة في تعميق اليقين وزيادة الإيمان في قلوب المسلمين، وهي في الوقت نفسه ـ لو ترجمت ونشرت على وجه جيد ـ من وسائل دعوة غير المسلمين.
وهذه القصص دليل على عظمة هذا الدين ، وانتشاره ذاتياً حتى لو تخلت طائفة كبيرة من المسلمين عن واجب نشره وتبليغه، وأنه دين الله الخالد الباقي يهدي إليه من شاء من خلقه جل جلاله.
وقد دعيت لأتكلم في معهد أهلي لتحفيظ القرآن الكريم ودراسة العلوم الشرعية، فأعجبني كثرة الطلاب وأدبهم وحسن استماعهم على أن فيهم صبياناً وفتياناً، وأن الفتيات من وراء حجاب ساتر، وهذه نعمة في بلد كالمغرب غُرب طويلاً واستخربت أرضه، وقد بينت للطلاب في كلامي أهمية العمر الذهبي الذي يعيشونه، وأنه إن ذهب لا يعود، وبينت لهم أوجه الاستفادة منه في إحسان الصلة بالله تعالى، وفي التضلع من القراءة في العلوم المختلفة، والاغتراف من الثقافة الإسلامية، وذلك حتى يكونوا علماء صالحين في المستقبل.
وكذلك أكدت لهم أهمية وضع الأهداف العظيمة لمرحلة ما بعد التخرج في المعهد والتي يجب أن تكون في قلوبهم وعقولهم من الآن، في كلام طويل متشعب علق عليه مدير المعهد تعليقاً حسناً، ولحق بنا الدكتور زغلول بعد ذلك وحدث الطلبة حديثاً موجزاً حثهم فيه على تعلم بعض العلوم الحديثة حتى يستفيدوا منها في مستقبل أيامهم في حياتهم الخاصة وفي دعوة الآخرين.
هذا وقد لاحظت أن المغرب العربي الكبير بدوله الخمس يكاد يخلو من الرموز الشرعية التي لها صدى في النفوس، ولها أعمال ملموسة محسوسة، ومشاركات إعلامية قوية، فأهل المغرب والجزائر وليبيا وتونس ـ وهذه كلها زرتها ـ يتداولون أشرطة علماء المشرق ودعاته وكتبهم وأقوالهم وفتاويهم بينما لم أر لعلمائهم ودعاتهم مشاركة واضحة في ذلك كله، وهذا غريب عجيب، ولا أدري هل سببه أن مزمار الحي لا يطرب، أو أن علماء المغرب ودعاته قصروا في المشاركة في حياة الناس العامة، أو لأن وسائل الإعلام الإسلامية تنحصر في المشرق وليس لهم منها نصيب، أو لكل هذه العوامل مشتركة وغيرها، والله أعلم.
وقد رأيت من أهل المغرب إقبالاً على الإسلام وحباًَ شديداً لدعاته واحتراماً لهم، وقد زرت المغرب سنة 1410/1990 وزرتها هذه الأيام فوجدت فرقاً في أحوال الناس مع الإسلام، وأزعم أنهم اليوم أفضل بكثير، وأكثر وعياً، وأشد استمساكاً، وهذا بفضل الله تعالى ثم بجهود الدعاة في القنوات الفضائية الإسلامية وفي القنوات الأخرى، وأما النساء فإن الحجاب زاد ونقص: زاد كماً ونقص كيفاً، فعندما جئتهم سنة 1410/1990 كان عدد النسوة المحجبات قليلاً لكن حجابهم كان سابغاً مقبولاً، أما هذه الأيام فهناك نسوة كثيرات يلبسن الحجاب لكن هيئة حجاب كثير منهن ليست مقبولة شرعاً، وذلك لكثرة ألوان هذا الحجاب، وضيق اللباس الذي يبرز الصدر ويجسد المفاتن، إذ أصبحت كثرة من النساء يلبسن السراويل ـ البنطلونات ـ الضيقة والقُمُص القصيرة التي لا تغطي الأرداف، وهذا حجاب ناقص، نعم هو خير من السفور السابق لكنه لا يلبي شروط الحجاب الشرعي.
ولقد أخبرني الإخوة في تطوان أن المرأة كانت تلبس عندهم ما يسمونه "الحايك" وهو ملاءة تلفها المرأة فوق ثيابها حتى لا يبدو من جسدها شيء، ثم لبست بعض النساء الجلباب، وهو يشبه البرنس الذي يلبسه الرجال عندهم، وهذا أدى إلى غضب عام بسبب ضيقه شيئاً ما حتى أن بعض الشباب تهور بسبب هذا وصار يقطع هذا الجلباب بالمشرط إذا رآه على النساء ، وهذا عمل غير مقبول شرعاً ويؤدي إلى مفاسد كثيرة لكني ذكرته إظهاراً لتطور حجاب النساء من "الحايك" ـ الحجاب السابغ ـ إلى السراويل الضيقة التي نراها على "المحجبات اليوم"، ولهذا قلت إن الحجاب زاد ونقص، زاد كماً ونقص كيفاً !! وينبغي على أهل الحل والعقد والدعاة والخطباء والموجهين أن يولوا مسألة الحجاب هذه مزيداً من العناية والتوجيه حتى توتي أكلها وتثمر ثمارها المرجوة، إذ أن هذا التوجه نحو الحجاب نعمة من الله تعالى لكن اكتمال النعمة إنما يكون بشكرها والتصرف فيها كما أمر الشارع المطهر لا على مقتضى أهواء الناس وأمزجتهم، والله الموفق. | |
|
أمير البحر admin
عدد الرسائل : 881 المدينة : تطوان تاريخ التسجيل : 21/08/2008
| موضوع: رد: (أيام فى تطوان) مقالات رائعة للدكتور محمد بن موسى الشريف الثلاثاء 12 أكتوبر - 14:47 | |
| أيام في تِطْوان (4/4)
تطوان مدينة جميلة، صغيرة، تقع في شمال المغرب على البحر الأبيض المتوسط، وكانت محتلة من قبل الأسبان ـ في جملة من مدن الشمال المغربي ـ وقد جلوا عنها سنة 1377/1957، وفيها المدينة القديمة التي بنيت بيوتها على الطرازين المغربي والأندلسي، وذلك لأن جملة كبيرة من أهل الأندلس خرجوا إليها إبّان المآسي التي تعرضوا لها في بلادهم، وأزقة المدينة ضيقة لكنها لا تنبئ عن سعة البيوت، فقد دخلت أحد تلك البيوت فوجدته واسعاً رحباً تدور غرفة على فناء يتوسطه حوض ماء، وتلك هيئة معظم البيوت العربية القديمة في الشام ومصر والحجاز وغيرها، وغرف ذلك البيت عجيبة، إذ كل غرفة فيها أرائك للجلوس وفي أحد أطرافها سرير عليه ستار، فسألت عن ذلك فقيل لي إن رب البيت إذا زوج أبناءه فإنه يبقيهم عنده، وتصلح كل غرفة من تلك الغرف أن تكون غرفة للنوم مع كونها غرفة للضيوف أيضاً، وهذا عجيب، وقد رأيت هذا في أكثر من بيت، وهذا الذي افتقدناه في البيوت الحديثة، وطرائق الحياة الحديثة؛ فمشكلة كثير من الشباب المقبل على الزواج اليوم هي أنه لا يجد مكاناً للسكنى أو لا يستطيعه، ولم تكن هذه المشكلة موجودة فيما سبق.
والداخل إلى تطوان القديمة يشعر أنه قد ولج إلى ثنايا التاريخ، وعاد إلى أيام مضت يراها في الأفلام القديمة ويقرأ عنها في بطون الكتب؛ وهو الشعور نفسه الذي يشعر به من دخل إلى فاس القديمة وصنعاء القديمة، وهو شعور رائع جميل لا يُقرأ ولا ينقل بل لابد من تذوقه، والدوران في تطوان القديمة يدرك به المرء مدى السعادة التي كان يشعر بها القدماء في عيشهم في تلك المدن القديمة الرائعة، والفارق الكبير بينها وبين كتلنا الإسمنتية الحديثة التي يضيق بها الصدر وتخالطها الكآبة غالباً.
وقد دُعيت لإلقاء محاضرة في الجامع الأعظم في تطوان، وكانت بعد صلاة المغرب، وقد اعتاد الأئمة في المغرب على قراءة حزب من القرآن بعد صلاة المغرب، كما بينت في الحلقة الأولى، وقد استأذن الإخوة رئيس المجلس العلمي في تطوان في أن يكلم الإمام ـ ورئيس المجلس مسؤول قانوناً عن الإمام ـ حتى يؤخر الحزب أو يقدمه، وجئت الجامع ففوجئت أن الإمام رفض توجيهات رئيس المجلس العلمي وأخذ في قراءة حزبه بعد الصلاة مباشرة، فأشار إليه الإخوة فقام وأخذ بيدي وأجلسني بجواره وأكمل حزبه هو ومن معه، والناس ينتظرون وينظرون في ساعاتهم، ولم أبدأ المحاضرة إلا بعد فراغه، وقد كانت مدة قراءته قرابة العشرين دقيقة، وذلك لأنه يقرأ الحزب ويقرأ الأذكار ـ أذكار المساء ـ بعده، ولم أبدأ المحاضرة إلا وقد بقي على العشاء أقل من خمس وأربعين دقيقة، وكانت المحاضرة عن "أثر المرء في دنياه" ولم أستطع أن أوفيها حقها حتى بقيت بعد الأذان عشر دقائق، وهذه الحادثة تدل على مدى استمساك الأئمة بهذه التقاليد التي وجدوا من سبقهم عليها بحيث لا يستطيعون تركها حتى لو كان هناك أمر مهم أو عاجل.
وقد دُعيت لإلقاء المحاضرة نفسها: "أثر المرء في دنياه" في شفشاون، وهي بلدة في أحضان الجبال جميلة أنيقة، المسافة إليها من تطوان تقطع في أقل من ساعتين بقليل، والطريق إليها جميلة والمسافر إليها مخير بين أن يتبع الطريق الجبلية أو يؤم المسلك البحري الذي ينعطف به إلى الجبال مرة أخرى، والأول أقصر والآخر أجمل وأروع، وقد سلكت الطريقين أولهما في الذهاب وآخرهما في الإياب، وقد كان لهذا سبب سأذكره للقراء إن شاء الله تعالى.
وقد وصلت شفشاون قبيل المغرب، وأممت جامعها الأعظم، وشفشاون تعني بالبربرية "انظر إلى القرن" والشاون هو القرن، وقد استأذن الإخوة المجلس العلمي في شفشاون في أن يؤخر الإمام حزبه أو يقدمه فاستجاب الإمام وقدمه إلى ما بعد العصر، فتحدثت مع المصلين عقب المغرب مباشرة، وتلك عادتهم هنالك فلا يصلون السنة بعد المغرب إلا بعد الفراغ من حزبهم ـ فيما يبدو ـ وعقب المحاضرة اقترح الإخوة أن أبيت في شفشاون لئلا أعود في الليل فاستجبت لهم وأخذوني إلى فندق قديم في طرف المدينة القديمة، وقد سررت به وذلك لأنه بني على الطريقة القديمة التي شرحتها في الحلقة الماضية، وكل ما في الغرفة تقريباً يذكرك بطريقة حياة الآباء والأجداد.
ثم بعد ذلك أخذني الإخوة لمأدبة عشاء حافلة دالة على كرم وعناية وحسن ضيافة، والحق أني دعيت لعدة مآدب في المغرب قديماً وحديثاً فلم أجد إلا حفاوة بالغة بالضيف وكرماً بالغاً الغاية، وألواناً من الطعام والحلوى والسلطات والمشروبات، ويقدم كل ذلك مع البسمة الصادقة والفرحة الحقيقية بالضيف من غير تكلف ولا تأفف ولا ضيق، وليس هذا شأن صاحب البيت فقط بل أزعم أن جميع من رأيتهم من أهل البيوتات التي دعيت إليها كانوا كذلك، وهذا من نعمة لله عليهم فإكرام الضيف سنة الأنبياء العظام، وإذا جُمع إلى الإكرام حسن الملقى، وجمال البسمة، وإسقاط التكلف، والعناية بالضيف فقد تمت النعمة وعظمت المنة.
هذا وقد دار بي الإخوة في مدينة شفشاون القديمة فرأيتها قريبة من تطوان القديمة التي وصفتها في الحلقة السابقة وإن كانت تطوان تفضلها في مساحتها وقدمها، وأروني قصبة المدينة ـ أي دار الحكم فيها قديماً، وهي اليوم متحف ـ وأروني جامعها الأعظم، وكان مغلقاً للترميم، وأروني معالم أخرى في تلك المدينة الجميلة، التي لم أمكث فيها إلا ليلة واحدة لضيق الوقت، وبعد الفجر تحركت إلى تطوان عبر الطريق البحرية، وذلك لأني كنت أريد أن أمر بقرية "تارغا" وهي قرية بحرية وصف لي حسنها وحفاظ أهلها على الشعائر الإسلامية، فلما جئتها وجدت الخبر كالعيان، ومكثت فيها قرابة ساعة؛ وذلك لأني كنت أنظر في سبل رجوعي إليها مع الأهل والأولاد، وقفلت عائداً إلى تطوان عبر طريق بحرية رائعة يمتزج فيها الجبل بالبحر، وتلتقي زرقة السماء مع زرقة البحر، والخضرة الرائعة تكسو الجبال جمالاً ورونقاً وبهجة، ومنعطفات الطريق تخبئ وراءها مزيداً من الجمال والجلال، والشمال المغربي يجمع أهله بين الحفاظ على الشعائر الإسلامية ـ في الجملة ـ مع جمال الطباع وحسن الخلق، هذا مع جمال الطبيعة التي خلقها الله تعالى على هيئة جليلة.
ولما وصلت تطوان سارعت إلى الفندق وجمعت متاعي، وسلمت على الإخوة الذين اجتمعوا لوداعي في حفاوة ظاهرة، جزاهم الله خيراً، وقصدت الرباط فتغديت عند أحد كرام أهلها، وجددت العهد بالشيخ الشاهد البوشيخي وأخيه أحمد جزاهما الله خيراً، وقد تحدثت عن الشيخ الشاهد في "أيام في فاس" ثم مضيت إلى الدار البيضاء إلى مطارها لأسافر بعدها إلى المملكة.
ولا يسعني بعد نهاية هذه الحلقات إلا أن أشكر أخي الكريم الفاضل عبد الرحيم، الذي صاحبني في جل رحلتي وكان بي حفياً، وأكرمني غاية الإكرام فلا أملك إلا أن أدعو الله تعالى أن يجزيه خيراً.
وكذلك أشكر أخي الدكتور طارق البردوني الذي قام على المؤتمر حتى أنجزه على وجه ملائم حسن فجزاه الله تعالى خيراً.
وهناك إخوة كثيرون أحاطوني بعنايتهم، ورأيت منهم كرماً، وسعة صدر، وحسن خلق، ورعاية وتذمماً لا أملك في هذه العجالة أن أورد أسماءهم جميعاً لكني سأدعو لهم بظهر الغيب إن شاء الله تعالى. ***********************************
| |
|
إشراقة الأمل عـضـو جـديـد
عدد الرسائل : 27 المدينة : تــطوان الحبيبة تاريخ التسجيل : 11/10/2010
| موضوع: رد: (أيام فى تطوان) مقالات رائعة للدكتور محمد بن موسى الشريف الثلاثاء 12 أكتوبر - 16:02 | |
| مقالات غاية في الروعة للدكتور محمد بن موسى الشريف جزاك الله خيرا أخي الأمير | |
|