المنهجي والجانب العقدي والجانب السياسي الاجتماعي ، وعرفت هده الحركة بالحركة الموحدية ، وهي التي أثمرت دولة الموحدين"الكامل 8 ـ 654
هكذا أذن انقضت رحلة ابن تومرت التي دامت أربع عشرة سنة والتي رجع منها متشبعا بعلوم العقل والنقل التي تلقاها عن فطاحل من العلماء من الدرجة الأولى في الحفظ والتحرر والتأصيل ليقوم بعد ذلك بإحداث حركة تشمل المجالين الديني والسياسي.
السادس:في صفاته
يذكر المؤرخون أنه كان ورعا ناسكا ، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر لا يخشى في ذلك لومة لائم كما يذكر عنه أنه وعظ السلطان وأغلظ له في القول ، كما ذكر ابن خلدون أنه "كان حصورا لا يأتي النساء ، وكان يلبس العباءة المرقعة ، وله قدم في التقشف والعبادة ، ولم يحفظ عنه فلتة في بدعة إلا ما كان من وفاقه الإمامية من الشيعة في القول بعصمة الإمام" يقول ابن خلكان في وفيات الأعيان 4 ـ 137:"وكان شجاعا فصيحا في لساني العرب والبربر، شديد الإنكار على الناس فيما يخالف الشرع ، لا يقنع في أمر الله بغير إظهاره ، وكان مطبوعا على الالتذاذ بذلك متحملا للأذى من الناس بسببه".
السابع: مؤلفاته
ألف ابن تومرت مصنفات في مجالات مختلفة ، فألف رسائل في الأصول وفي الفقه وفي السياسة والعقيدة ومن أهم مؤلفاته .
1ـ أعز ما يطلب:وهو عبارة عن مجموعة من الكتب والرسائل في الأصول والفقه والتوحيد والسياسة وعرف باسم أول كتاب فيه. وبأول عبارة وردت فيه وهي (أعز ما يطلب وأفضل ما يكتسب وأنفس ما يدخر...)
2ـموطأ الإمام المهدي ويسمى (محاذي الموطأ) وهو عبارة عن موطأ الإمام مالك رضي الله عنه برواية يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي اختصر فيه السند واكتفى بالراوي الأول لنص الحديث .
3ـمختصر صحيح مسلم وتوجد منه نسخة بمكتبة ابن يوسف بمراكش وهو عبارة عن سفر فيه تلخيص كتاب مسلم للإمام المعصوم رضي الله عنه ـكذا كتب على هذه النسخة ـ.
4ـ وله رسائل أخرى غير ما ذكر في مجموع أعز ما يطلب.وتنسب إليه رسائل أخرى ..أنظر أعز ما يطلب .
الثامن: في وفاته
كانت وفاة المهدي كما يذكر تلميذه البيدق في أخبار المهدي ص 78 في رمضان سنة 524هـ . وانتقل هذا الإمام إلى عفو ربه مخلفا آراء كثيرة في مجال منهج التفكير الشرعي، وأخرى في مجال الفهم العقدي، وأخرى في مجال الأحكام الفقهية، كما كانت له تطبيقات عملية في مجال السياسة والاجتماع. وسنحاول إن شاء الله أن نتبين الأثر الفقهي الذي سلكه هذا الإمام إبان تزعمه لهذه الدولة .
التاسع : موقف العالم الإسلامي من ابن تومرت
كان لابن تومرت كما جرت السنة الإلهية مؤيدون ومعارضون فكان له أصحاب بمصر ،وبالجزائر وتونس ،ويرى بعض المؤرخين أن له صلة بالإمام الغزالي ولا أستبعد أنه التقى به ،_كما ذكرنا سابقا- لأن الرجل سوسي طموح وعرف أهل سوس بتحمل مشاق السفر فلا يبعد أن يكون قد التقى به في الشام أو في عودته إلى بغداد . اشتهر من مؤلفاته (المرشدة ) وهي عقيدة ألفها ابن تومرت بين المسلمين سواء منهم الفقهاء أو الصوفية ووضعت عليها شروح كثيرة ،منها :الشرح الذي كتبه الإمام السنوسي الجزائري ، صاحب العقائد ، دفين تلمسان وذكر أنه أجمعت الأئمة على صحتها ، وبلغت إلى المشرق وأخذ بها كبار الأشاعرة من الفقهاء الشافعية وغيرهم .إلا أن ابن تيمية أصدر فتيا ضد هذه العقيدة وكذلك شمس الدين الذهبي. وتمثل هذه الفتيا رأي المعارضين لابن تومرت في المشرق وتأويل مذهبه ،بأنه مذهب قائم على تصورات فلسفية للألوهية ،وأن الله هو الوجود المطلق ،وأن ابن تومرت ينفي صفات الله تعالى على مذهب المعتزلة والفلاسفة ،فهاجمه بن تيمية في كتابه( منهاج السنة) وسمى أصحابه بالطائفة التومرتية .(منهاج السنة ج 2 ص 150 .
ومن أشد المعارضين لابن تومرت في الأندلس إبراهيم الشاطبي في كتابه( الاعتصام) نسب إليه كثيرا من البدع وقال :إنه عد نفسه المهدي المنتظر ،وإنه معصوم وإن طائفته هم الغرباء زعما من غير برهان ... ونسبه إلى البدعة الظاهرية ونسب إليه بدعا أحدثها بالمغرب منها : وجوب التثويب ، وأصبح ولله الحمد ،ونقل إلى المغرب الحزب المحدث بالإسكندرية وصار ذلك سنة في المساجد إلى الآن وكان يأمر أتباعه بلزوم الحزب بعد صلاة الصبح وبعد المغرب ...انظر الاعتصام لأبي إسحاق الشاطبي
الفصل الثاني ألأثر الفقهي عند ابن تومرت
وفيه مباحث أيضا:
الأول : الحالة الفقهية في المغرب قبل الثورة
كان الفكر الشرعي في هده الفترة ينحو منحى الجمود على الآراء الفقهية المأثورة عن تلاميذ الإمام مالك بن أنس والتعصب لها بحيث لو ورد نص مخالف لهذه الأقوال لايؤخذ ويرد حفاظا على المذهبية ، فقد كان السائد آنذاك ضمنيا "ومن خرج عن مذهب مالك فلا يلومن إلا نفسه "لكن مذهب مالك المزعوم هوالاقتصار على أقوال الفقهاء دون الرجوع إلى النصوص الشرعية وإذا كان هذا شأن أولئك الذين يسمون بالعلماء فماذا يكون شأن العوام ، وسبب هدا كله خلو الثقافة المغربية من العلوم التي تساعد على فهم النصوص والاستنباط مثلا كأصول الفقه ، بل إن هذه العلوم كانت تحارب وتقابل بالرفض والعنف من قبل علماء السلاطين مثل ما وقع لابن النحوي {ت 513} حينما أخرج من المسجد بسجلماسة ، وأبطل درسه في أصول الفقه بدعوى أنه يدخل علوما مجهولة . [نقله الدكتور النجار عن اليوسي في المحاضرات ص74 ]
الثاني: ثورة المهدي في التغيير الفقهي
ولما كان الأمر كما ذكرت ،أدرك المهدي أن أي بادرة في الفهم والتطبيق لا يمكن أن تقوم بالمغرب إلا إذا قامت ثورة منهجية في الفكر الشرعي تهيئ المناخ لآراء جديدة ، وحلول للأوضاع الراهنة التي قدر أنها استفحل الفساد في مختلف مجالاتها ، ولذلك فإنه مهد لكل آرائه وتطبيقاته بثورة منهجية أقامها على أساسين رئيسين:
الأساس الأول : التأويل في الفهم العقدي ، وهو لا يهمنا في هدا العرض .
الأساس الثاني: التأصيل في الفكر الشرعي ، فقد دعا المهدي إلى إحياء العناية بالأصول النصية من القرآن والحديث حفظا ودراسة وتفهما ، واتخاذها الأساس في استنباط الأحكام .الاجتهاد عند ابن تومرت ص89
ومن مظاهر هده الدعوة التي دعا إليها : شروعه في تعليم أصحابه القرآن والحديث حفظا وفهما ، وكذلك ما ألفه من كتب في الحديث ، وأصول الفقه .
فتبين أن الأساس في معرفة أحكام الشريعة هو النص وما يلحق به من الإجماع ، وقد عبر عن هدا الأساس بالأصل الذي قال في تعريفه :" هو كل ما ثبت من السمع الذي هو الكتاب والسنة والإجماع بالأصل المقطوع به وهو التواتر "22
يقول الدكتور عبد المجيد:"وتأكيد المهدي على اتخاذ النص أصلا وحيدا في معرفة الأحكام لا يمكن فهمه إلا في إطار مقاومته للمنهج الفرعي الذي كان سائدا في المغرب" أعزما يطلب ص 38.
فهدا المنهج تركت فيه الأصول النصية كمصادر للأحكام وانتهى الأمر فيه إلى اعتماد أقوال الفقهاء من أئمة المذهب . فيمكننا أن نقول : إن ابن تومرت مالكي المذهب ، وعاش وهو يكن للمذهب المالكي الإجلال والإعجاب ، غير أنه كان يكره علماء المرابطين ؛ الذين انحازوا للفرعية والتقليد ، واتخذوا الدين مطية للدنيا كفتواهم بما يوافق هوى السلطان خوفا من عقابه وطمعا في عطائه ونواله ، فكانوا يجتهدون أيما اجتهاد إرضاء للسلطان وتقربا إليه دون التفكير بعواقب ما يفعلون ، وكل هذا منهم دفع ابن تومرت إلى محاربتهم ورميهم بالتجسيم والجهل والطغيان والكفر .
وكان من البديهي ألا تتعبد الجماعة الموحدية طبقا لمصنفات الشريعة التي قام بتأليفها بعض هؤلاء ، فهنا يأتي دور القائد والمرشد الذي انطلق إلى المغرب بحرا متفجرا من العلم ، وشهابا واريا من الدين على حد تعبير ابن خلدون
أتى دور هدا الإمام بأن وضع لإتباعه مذكرات فقهية بنفس فقهي جديد متأصل يقوم على الدليل ، لكن هده المذكرات المهدوية لا تخرج عن مذهب مالك فهي مقتبسة منه من غير تصريح بذلك . انظر الدعوة الموحدية بالمغرب ص 304.
الثالث: مالكية المهدي
ومما سبق يتبين ان المهدي نشأ مالكيا وعاش مالكيا ، والعجب من أولئك الدين نسبوه إلى المدرسة الظاهرية ولا دليل لهم على ذلك ، سوى ما جاء في كتاب الفكر في الأندلس للمستشرق الإسباني انخل كونثالث بالنثيا والذي نقله إلى العربية الدكتور حسين مؤنس . فقد قرر انخل في كتابه أن محمد بن تومرت مهدي الموحدين قد مال إلى مذهب ابن حزم ، إذ وجد فيه ما يؤيد دعوته ، وأنه بهذا قد وصل نفر من فقهاء الحزمية إلى المناصب الكبيرة في عهد الموحدين .
وهدا الذي ذكره بالنثيا غير صحيح يقول الدكتور علام ص306 : "لم يظهر إعجاب الموحدين بالحزمية في عهد المهدي ابن تومرت الذي عاش ومات مالكيا كما لم يظهر هذا الإعجاب في عهد عبد المومن بن علي خليفة المهدي إذ كان ابن حزم أشد علماء المسلمين كراهية للمهدوية والعصمة والإمامة ، لأنه اعتبر هذه المبادئ متسربة إلى المسلمين من عقائد اليهود والنصارى.
فلما كان عهد الخليفة الثالث "يعقوب المنصور " ذلك الخليفة المتحرر ؛ الذي كان أول خليفة موحدي سخر بالمهدوية ومبادئها على نحو ما سخر منها ابن حزم تماما ، وجدت الحزمية طريقها إلى المغرب الموحدي ، إذ اشتدت محاربة يعقوب المنصور لمذهب مالك لا كراهية لآثار المرابطين بل رغبة صادقة في نشر المذهب الحز مي الظاهري"
ويذكر المراكشي في المعجب ص 279 " أن المنصور اشتد في حملته على العلماء المالكية ، وأمر بإحراق كتب المذهب بعد أن يؤخذ ما فيها من حديث رسول الله {صلى الله عليه وسلم}، ومن آيات القرآن الكريم ، وقد أحرق من كتب المالكية أعظمها في أنحاء البلاد ، كمدونة سحنون ، وكتاب ابن يونس ، ونوا ذر ابن أبي زيد ومختصره وكتاب التهذيب للبرادعي ، وواضحة ابن حبيب.
ثم يقول : " ولقد شهدت منها وأنا يومئذ بمدينة فاس يؤتى منها بالأحمال ويطلق فيها النار"
ثم يضيف المراكشي قائلا :"وتقدم المنصور إلى الناس في ترك الاشتغال بعلم الرأي والخوض في شيء منه ، وتوعد في ذلك بالعقوبة الشديدة ، وأمر جماعة ممن كان عنده من العلماء المحدثين بجمع الأحاديث من المصنفات العشرة في الصلاة وما يتعلق بها " .
وتجدر الإشارة هنا إلى ان ابن تومرت كما رأيتم لم يكن مهتما بالعقائد وحدها بل انصب اهتمامه أيضا بالحديث النبوي في كتب الصحاح عامة‘وخاصة الموطأ وصحيح مسلم‘وبالفقه القائم على الكتاب