محمد ابن تاويت
نريد أن نثبت تحت هذا العنوان شعر الجراوي ما لم يثبته صديقنا العلامة السيد محمد الفاسي ـ مدير الجامعة المغربية ـ في محاضرته التي نشرت له أخيرا مع ملحقها . وقد استخرجها هذا الشاعر من نسخة للجزء الرابع من كتاب (البيان المعرب) التي يباشر نشرها معهد مولاي الحسن بتطوان. وهي نسخة مقابلة على نسخ ثلاث إحداها ((لكولان)) والثانية ((الامبروسيوهويسي)) والثالثة للمكتبة الناصرية بتامكروت. اكتشفها صديقنا الأستاذ البحاثة السيد محمد إبراهيم الكتاني ـ رئيس قسم المخطوطات بالخزانة العامة للرباط .
وأول هذه الأشعار ما قاله أبو العباس الجراوي مادحا عبد المومن بمناسبة انتصار جيوشه في موقعة كانت بينه وبين الأسبان حول (فحص بلقون) بالأندلس سنة 556 وذلك من قصيدة يقول فيها:
أعليت دين الواحد القهار
بالمشرقية والقنا الخطار
ورأى بك الإسلام قرة عينه
وغدت بك الغراء دار قرار
وجرت معاليكم إلى الأمد الذي
بعدت مسافته على الأسفار
وقفت على ما قد أردت سعادة
وقفت عليها خدمة الأقدار
لا تخلق الأيام جدة ملككم
أبدا ولا تبلي على الإعصار
لا غرو إن كنت الأخير زمانه
فالفضل للآصل والأسحار
وافيت أندلسا فأمن خائف
وسما لا حذ الثار رب الثار(1)
وحللتم جبل الهدى فحللتم
منه عقود عزائم الكفار
جبل الهدى والفتح والنصر الذي
سبقت بشائره إلى الأمصار
لو بدلوا أقدامهم بقوادم
طاروا عن الأوطان كل مطار
لوراء(2) موسى ما فعلت وطارق
زريا بما لهما من الآثار
أتممت ما قد أملوه ففاتهم
من نصر دين الواحد القهار
بعراب خيل فوقهن أعارب
من كل مقتحم على الأخطار
أكرم بهن قبائلا أقلا لها
في الحرب يغنيها عن الإكثار
وانظر إذا اصطفت كتائبها إلى
ما تحمد الكتاب في الأسطار
لم أنها نصرت عليا لم ترد
خيل ابن حرب ساحة الأنبار
هم أظهوره مع النبي وواجب
أن يتبعوا الإظهار بالإظهار
ملك الملوك لقد أنفت إلى العلا
ونظرت من فوق إلى الأقدام
أنت السبيل إلى النجاة فكلنا
لولاك كان على شفير هار
وجربت في نصر الإله إلى مدى
يكبو ورائك فيه كل مجار
قد ضاق ذرع الكفر منك أهله
بموفق الإيراد والإصدار
إلى أن يقول : (3)
ملئت به الدنيا صفاء بعد ما
ملئت من الأقدار(4) والأكدار
أخليفة المهدي دمت مؤيدا
بالله منتقما من الكفر
ترمي شياطين الأعادي في الوغى
برجوم خيل من سماء غبار
روعت كل مروع وحفظت كـ
ـل مضيع وحميت كل دمار
ومن شعره ما قاله مادحا لعبد المومن حين كان بإفريقية محاصرا المهدية التي استولى عليها نصارى صقلية، يقول من قصيدة:
كانت محل أناس قلبنا فخلوا
عنها وأثارهم فيها مقيمات
تالله لو علمت مقدار وإرثها
هبت إليك رباها والقرارات
قالوا العطيات أحيانا فقلت لهم
بل لم تكن قبل أن كان العطيات
أما سمعتم جريرا عن هنيدته
يثني (5) يرى أنها في الجود غايات
وأين من حسبه الآلاف من ذهب
هنيدة من سواه أو هنيدات
وأين (6) من قيس عيلان أرومته
وقيس عيلان أملاك وسادات
ومن يكن من أمير المومنين فقد
قامت على فضله منه الشهادات
اهنأ أمام الهدى بالعدل(7) منبسطا
والدين منتظم والكفر أشتات
أعيت مآثركم من أن تنال وكم
شنت عليها من الأقوال غارات
وكم أرادت ولاة(
الشعر تحصرها
فأخفقت دونها منهم أرادات
هذي أبيات عبد مخلص لكم
محض اعتقاد وما تغني الأبيات
الأمر أعظم مقدار وأرفع من
إن مد تحبط به به منا مقامات (9)
دمتم وأدام لكم إسعاد سعدكم
ما دامت الأرض والسبع السماوات
ومن شعره ما قاله مادحا لعبد المومن وقد فتح المهدية واسترجعها من نصارى صقلية . من قصيدة يقول فيها:
لمن الخيول كأنهن سيول
غصت بهن سباسب وجهول
طويت لها الدنيا فأبعدما انتحت
دان وأبطأ سيرها تعجيل
يغزو أديم الأرض من صهلانها
مثل اسمها حتى تكاد تزول
فصهيلها محض الثناء وإن يكن
لا يفهم الأقوام منها صهيل (10)
تثني على الملك الذي أيامه
ستر على هذا الورى مسدول
عم البسيطة ملكه فكأنه
سيل على كل البلاد يسيل
جهل النصارى أنه الملك الذي
يرث البلاد وعذرهم مقبول
أهل الجهالة هم فكيف ألومهم
وعلمت أن الطبع ليس يحول
إلى أن يقول : (11)
فعفوت عفو القادرين تكرما
عنهم وعفو القادرين جميل
شكر البلاد مع العباد خليفة
هو بالبلاد وبالعباد كفيل
لو تنطق المهديتان لقالتا
في الشكر ما لا يدرك التحصيل (12)
بالأمس يملا سمعها ناقوسهم
واليوم يملأ سمعها التهليل |
ومن شعر الجراوي ما قاله مادحا لأبي يعقوب يوسف الموحدي أثر الموقعة التي انتصرت فيها جيوشه على ابن أذفونش المعروف بالبيبوح وذلك سنة 569 من قصيدة يقول فيها: عن أمركم يتصرف الثقلان
وبنصرهم يتعاقب الملوان
وبما يسوء عدوكم ويسركم
تتحرك الأفلاك في الدوران
جاهدتم في الله حق جهاده
ونهضتم بحماية الإيمان
وتركتم أرض العدى وقلوبهم
في غاية الرجفان والخفقان
وغزاهم الدين الحنيفي الذي
كتب الظهور له على الأديان
كتب الإله لكم فتوحا في العدى
هذا لها وسواه كالعنوان
هذا مقام المصطفى يا فوز من
حاز النيابة فيه من حسان
من يعرف الرحمان حقا يعترف
بحقوقه لخليفة الرحمان
بسيفك صال الدين في الشرق والغرب
ودارت على الأعداء دائرة الحرب (13)
ومن شعره ما قاله مهنئا أبا يعقوب بإبلاله من مرضه سنة 573 من قصيدة يقول فيها:
ستملك أرض مصر والعراقا
وتجري نحوك الأمم استباقا
إذا لم يتفق رأى ورأى
أفادا في محبتك اتفاقا
صفا لك كل قلب غير صاف
وزحزح عن ضمائره النفاقا
وحقكم وحقكم عظيم
لقد حسن الزمان بكم وراقا
وقد بلغ الوجود بكم مناه
وقد أمنت عصا الدين انشقاقا
تبادرت الفتوح إليك تجري
غرائبها وتستبق استباقا
أمير المومنين ومن عليه
سنى الإسلام يأتلق ائتلاقا
ويا ملكا أحنت كل أرض
إلى أرض أقام بها اشتياقا
يحن إليك يوم غير آت
ويشكو الذاهب الماضي الفراقا
شكوت فأي قلب غير شاك
وأي العيش لم يمرر مذاقا
ولولا عطفة الإبلال كنا
بنار الوجود نحترق احتراقا
ومن شعره ما قاله فيه يمدحه ويهنئه بالعيد سنة 576 من قصيدة يقول فيها: شملت ببقائكم النعم
وسمت برجائكم الهمم
وهمت ديم من راحتكم
هيهات تساجلها الديم
وعنت لعزائمكم عرب
تشقى بصوارمها العجم
أسد تنقاد الأسد لها
بهم تنقاد لها البهم
حمدت شيم الأيام بكم
ولكم ذمت منها الشيم
بهرت أنوار خلافتكم
وسماء العلم بها علم
فرأى من ليس بصر
ووعي من كان به صمم
وأناف المجد على زحل
وأتى بغرائبه الكرم
أعيي البلغاء مقامكم
ولو أن مقالهم حكم
العيد أحق بتهنئة
فله بكم فخر عمم
دمتم والكل يلوذ بكم
من صرف الدهر ويعتصم
ومن قصيدة يمدح بها يعقوب المنصور بمناسبة زيادته في وزن الدينار ـ نأتي ببيت منه سقط مما نشره الأستاذ الفاسي وهو :
ما ارتاب مبصرها في كف ذاك وإذ
أن النجوم استحالت للورى ذهبا
يأتي هذا البيت بعد ((قد حاز في وصفها)) إلخ وقبل ((فذاك بني الدنيا)) إلخ .
ويقول في مطلع قصيدة أخرى مدح بها يعقوب المنصور:
الدهر منا في مديحك أفصح
فعلى م يعتب نفسه من يمدح
أنت المرشح للتي لا فوقها
إن العظيم لمثلها يترشح
ويقول من قصيدة أخرى مادحا للناصر بمناسبة بيعته:
لهجتك بذكرك (14)السن المداح
وسمت بذكرك رتبة الأمداح
أزرى نداك بكل بحر زاخر
هبت عليه عواطف الأرواح
بمحمد وزر الورى وبما لهم
في كل يوم ندى ويوم كفاح
فرع سيحكى أصله وهو قد حكى (15)
بمقاصد قد سددت وسلاح (16)
تأبى الخلافة من سوى أكفائها
والجد غير مقابل بمزاح
غشيت بنوركم البلاد فمن بها
أغنى عن الإصباح والمصباح
سكنت ببيعة القلوب ولم تزل
تهفو من الإشفاق دون جناح
عن السرور بها البسيطة كلها
كالصبح فاض على ربى وبطاح
لا زلت للأعياد تمنح بهجة
يعي سناها أعين اللماح (17)
ومن شعره في هذه البيعة أيضا من القصيدة طويلة ـ كما يقول ابن عذارى ـ يقول فيها:
هي بيعة أحيى الأنام بها
وسما بها دين النبي المصطفى (18)
سبقت قلوب الخلق أيديهم بها
ورجا الزمان بعقدها أن يسعفا (19)
كل يمد يد الضراعة راغبا
في نيلها مسترحما مستعطفا
جمعت صلاح الدين والدنيا معا
وغدا بها شمل العلا متألقا
ما من تقي مومن إلا وقد
سرت له نفسا وهزت معطفا
لبسا مناديها بقلب مخلص
متبردا بحضورها متشرفا
أنست مآثره مآثر يعرب
وسمت بقيس في العلاء وخندقا
بث المدائح فالبليغ مقصر
ولو أنه نظم الكواكب ما وفي (20)
لا زلت بالملأ العلي مؤيدا
ولصرف دهرك كيف شئت مصرفا
وهذا بيت آخر من قصيدة يمدح بها الناصر بمناسبة استرجاعه لجزيرة (ميورقة) لم يذكره الأستاذ الفاسي بتلك القصيدة:
سعودك من يرتاب فيها وللورى
عليها دليل كل يوم وبرهان
ورد هذا البيت بعد قوله : (لقد ألبس الله الخلافة بهجة ) إلخ .
وهذه أبيات أخرى من قصيدة يهنئه فيها بفتح ميروقة كذلك، وقد فات الأستاذ الفاسي أن يثبتها في تلك القصيدة:
شاء الإله إلخ
يسمى خبير الخلق والنور الذي
كفلت بدايته إلى الإتمام
جمعت ببيعته إلخ
وسرى السرور بها وصار مواصلا
للجد في الإنجاد والاتهام
واعتز دين محمد بمؤيد
ماضي العزائم للشريعة حام
لولا انتظام أمورنا بوجوده
لغدت مبدد بغير نظام
وبعد تلك الأبيات التي ذكرها الأستاذ الفاسي في ملحق محاضرته القيمة تأتي هذه:
وبعزمة منصورة وعصابة
مشهورة التصميم والأقدام
جمع ابن غانية فكف جماحه
يوم أدار عليه كأس حمام
ناهيك من يوم أغر محجل
متميز (21)عن سائر الأيام
وعظت بمصرعه الحوادث عنوة
ناهيك من وعظ بغير كلام (22)
فلينهي الدنيا وجود خلفية
جزل المواهب سائغ الأنعام
تغنيه عن قود الجيوش سعادة
تقتاد ما شاءت بغير زمام
نيطت أمور الخلق عنه بحازم (23)
متكفل بالنقض والإبرام
سام إلى الرتب التي يسمو لها (24)
نجل الأكابر من سلالة سام
ورث الخلافة إلخ
ليست به الدنيا جمالا كنهه
أعيى على الأفكار والأوهام
فكأنها دار السلام نعيمها
متأيد ودخولها بسلام
يا عصمة الدنيا نداء مؤمل
(25)صفحا يروحه من الأيام
فارقت ما قد كنت فيه كأنه
طيف رأته (26)العين في الأحلام
فعسى أرى وجه الرضى فلطالما (27)
أملت رؤيته مع الأعوام
بالطبع حاجتنا إليك وهل غنى
يلفى عن الأرواح للأجسام
لازال سعدك مسعدا متصرفا
فيما تريد تصرف الخدام
فهذه ثلاثون ومائة بيت تضاف إلى ما نشر الأستاذ الفاسي من شعر الجراوي وهو سبعة وأربعون وأربعمائة فيكون ما عرف من شعره حتى الآن 577 بيت . وسنتناول في العدد القادم إن شاء الله شعره بالدرس على ضوء ما لدينا من أشعاره...
(1) بالأصل من نسخة تامكروت (النار)
(2) لغة في (رأي)
(3) تركنا بيتين فيها وهما :
متأهب للأمر قبل أوانه ............رار
متحمل أعباء كل عظيمة ......... بالنفع والأضرار
(4) بالأصل : ((الاقداء)) . فلعل الصواب ما اثبتناه لينسجم مع الأكدار أو تكون الكلمة ((الاقذاء)) بالمعجمة .
(5) يشير إلى إجازة عبد الملك لجرير بمائة لقحة وثمانية رعاء .وفي كلمة ((يثني)) شيء ؟ لعدم انسجامها مع ((يرى)) .
(6) بالأصل : ((واي)) ولكن الكلام بها ينقصه الخبر .
(7) بالأصل : منبسط . مع أنه حال ، لا يجوز رفعه إلا في لغة شاذة معتبرة في مثل هذا التركيب أن الجملة حالية حذف منها المبتدأ .
(
كذا بالأصل ، ولعله ((رواة)) .
(9) كذا بالأصل وهو غامض .
(10) بالأصل . لا يفهم المستمعون صهيل فأصلحنا الشطرة كما رأينا.
(11) تركنا بيتين لبياض في الأول وغموض في الثاني وهما :
لم ينزلوا طوعا ولا ....... .............وراء الصين منه مهول
ودرت نفوسهم بأنك ظافر فأنت تقدم إليه تؤول
(12) يريد مهدبة إفريقية المذكورة ومهدية الرباط التي اختطها عبد المومن تجاه سلا. ثم أعاد الشاعر البيت بعده الضمير على مهدية إفريقية التي كان النصارى قد استولوا عليها وبنوا بها الكنائس التي أشار إليها.
(13) وبعد هذا البيت بيت لآخر نثبته على بتره . وهو :
......... واستقام معاند ولأن قيادا كل ممتنع صعب
(14) لعله : (بفضلك) أو نحوه حتى لا يتكرر مع الذي في الشطرة الثانية .
(15) بالأصل وقد حكي ولا يستقيم به الوزن فأصلحناه بما رأينا .
(16) لعله : و (صلاح)
(17) تركنا هنا بيتين لخلل في أولهما وسقط في الثاني وهما :
مستوفيا مدد إلى مدد به من أحوال لا تعد فساح
متسربلا بالسعد ...... .....فتحنا بالواحد القهار
(18) تركنا البيت الأول لسقط به وهو :
صنع جميل جل عن أن يوصفا .....به كمالا واكتفا
(19) بالأصل : ورجى زمانه به أن يسعفا
(20) بالأصل :
بث المدايح فالبليغ مقصرا ولو أنه نظم الكوكب أرفا فأصلحنا بما رأينا .
(21) بالأصل : محجلا متميزا
(22) بالأصل : عرضت بمسرعه ..
(23) بالأصل : (مجازم)
(24) بالأصل : سام إلى الرتب التي يسوقها ...
(25) بالأصل : (صبحا) فلعل الصواب ما أثبتناه بدليل ما بعده .
(26) بالأصل : (راية) وهو تصحيف ظاهر.
(27) بالأصل :
فعسى أرى وجه الرضى فأطال ما أملت روايته مع الأعوام
وهو تصحيف ظاهر .