سفيان الثوري عـضـو متألــق
عدد الرسائل : 148 المدينة : الفنيدق تاريخ التسجيل : 09/08/2009
| موضوع: تصحيح لأبيات من قصيدة البردة الإثنين 18 يناير - 7:12 | |
| تصحيح لأبيات من قصيدة البردة للحافظ عبد الله بن الصديق هذه القصيدة من نظم الأديب الشاعر أبي عبد الله محمد بن سعيد البوصيري ــ بكسر الصاد ــ الصّـنهاجي. وهي من أبدع ما نظم في المديح النبوي، ضمت جملا من السيرة، وطائفة من المعجزات والفضائل النبوية، في أسلوب عذب رائق، وقد أقبل الناس عليها منذ أنشأها ناظمها إقبالا كبيرا، فلا يحصى كم من شارح لها ومخمس لأبياتها وناظم على منهاجها. وانتقده كثيرون لأبيات منها، رأوا فيها غلوا ومبالغة، لكنهم بالغوا في الانتقاد وغلوا فيه أيضا، حتى زعموا أنها تشتمل على شرك صريح. وأنا أريد أريد أن أتكلم في هذه المقالة على الأبيات المنتقدة، وهي في نظري أربعة وأبيّن ما يجاب به عنها، من غير تكلف و لا تعسف. أما الشرك فقد احترز عنه الناظم في قوله: دع ما ادعته النصارى في نبيهم واحكم بما شئت مدحا فيه واحتكم فهذا البيت ينفي الشرك عن أبيات هذه القصيدة، ويوجب تأويل ما أوهم الشرك عند بعض الناس. 1. وأول الأبيات الأربعة، قوله: وكيف تدعو إلى الدنيا ضرورة من لولاه لم تخرج الدنيا من العدمقال المنتقدون: هذا يرده القرآن، فإن الله تعالى يقول: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} أفادت الآية أن الله تعالى لم يخلق الدنيا لأجل النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وكلام الناظم صحيح، وفي القرآن ما يؤيده. والمنتقدون واهمون لأن الله تعالى خلق الجن والإنس لعبادته، وخلق الدنيا والآخرة لأجلهم، وجعل الدنيا مكانا لعبادتهم، قال تعالى: {خلق لكم} أي لأجلكم {ما في الأرض جميعا} وجعل الآخرة مكانا لجزائهم، فلولا المكلفون ما خلقت الدنيا والآخرة. والنبي صلى الله عليه وآله وسلم سيد المكلفين، ومن عادة العرب أن يخاطبوا سيد القوم بما يشترك معه القوم فيه على سبيل التكريم، فصحّ قوله: لولاه لم تخرج الدنيا من العدم على قاعدة العرب في مخاطبة السادة والأمراء وذوي القدر العظيم. وفي القرآن الكريم آيات وجّه فيها الخطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم مع أن الأمة تشترك معه ، وهي من هذا الباب. 2. و ثاني الأبيات قوله:
وقدمتك جميع الأنبياء بها والرسل تقديم مخدوم على خدم هذا خطأ لا شك فيه، لأن الأنبياء بعضهم مع بعض ليس فيهم خادم ومخدوم، وليس تفضيل بعضهم يقتضي أن يكون المفضول خادما للفاضل، بل هم سواء في النبوة. وفي حديث المعراج المتواتر ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يحيى وعيسى ويوسف وموسى وهارون وغيرهم حين تلقوه، حيّاه كل واحد منهم بقوله: مرحبا بالنبي الصالح، والأخ الصالح. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( الأنبياء إخوة لعلات أمهاتهم شتى ودينهم واحد )). الحديث رواه أحمد وأبوداود وصححه ابن حبان والحاكم. وقد أصلحت هذا البيت بقولي:
وقدمتك جميع الأنبياء بها و كرّموك لفضل فيك من قدم وطبعت هذه البردة بهذا الإصلاح في دبي بالإمارات العربية. ومما يناسب هذا ما شاع عند كثير من الناس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ركب البراق ليلة المعراج، وجبريل عليه الصلاة والسلام آخذ بركابه. وهذا غير صحيح، وبخس بمقام جبريل عليه السلام وإقدام على نقص قدره، والله تعالى يقول في حقه: { إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين } ، فجبريل رسول إلى الأنبياء جميعا، ومن هذه الآية أخذ الزمخشري في الكشاف أفضلية جبريل على النبي صلى الله عليهما وسلم وهو مخطىء في ذلك... 3 . وثالث الأبيات قوله:
يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمموهذا عند بعض الناس شرك، وليس كذلك. فإن قوله: ولن يضيق رسول الله جاهك بي إذا الكريم تجلى باسم منتقم قرينة واضحة على أنه أراد: مالي من ألوذ به في الشفاعة لله في ذلك الموقف العظيم. وهذا المعنى صحيح. فإن الناس في يوم القيامة يلجأون إلى آدم ليشفع لهم في الإراحة من طول الموقف وكربه، فيعتذر ويقول نفسي، ويحيلهم إلى نوح فيعتذر ويحيلهم إلى إبراهيم فيعتذر ويحيلهم إلى موسى فيعتذر ويحيلهم إلى عيسى فيحيلهم إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيقول: أنا لها، أنا لها. فيذهب ويسجد تحت العرش، فينادى: يا محمد ارفع رأسك وقل تسمع، وسل تعط واشفع تشفّع. هكذا جاء في الصحيحين. وهو الذي أراده الناظم. والإسراع بالإكفار معصية كبيرة، ربما تؤدي إلى كفر صاحبها، ومع ذلك فقد أصلحت هذا البيت بقولي: يا أكرم الخلق ما لي من يشفَّع في سواك عند حلول الحادث العمم يشفع مبني للمجهول، والفاء مشددة أي مالي من تقبل شفاعته فيّ سواك، وهذا توضيح لكلام الناظم وليس إصلاحا له... | |
|