[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]انتقل المصنف -رحمه الله- إلى النقطة الثالثة، وهي ثلاثة أصول يحتاج إليها الفقيه، الأصل الأول قال:
الأصل في أوامر الكتاب والسنة أنها للوجوب، إلا إذا دل الدليل على الاستحباب أو الإباحة. هذه -يا إخوان- قاعدة عظيمة من قواعد أصول الفقه، وهي أن الأصل في الأمر أنه للوجوب، إلا إذا وجد دليل صارف من الأمثلة قول الله تعالى:
وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ </A>
هذه الآية دليل على وجوب الاستماع والإنصات عند سماع القرآن، وهذا الأمر أعنى الوجوب له لا يعرف في نصوص الشريعة، ما يصرف هذا الأمر عن الوجوب، وبهذه الآية استدل العلماء على وجوب الإنصات لقراءة الإمام والاستماع، حتى إن فريقا من أهل العلم استدلوا بهذه الآية على أن المأموم لا يقرأ الفاتحة؛ لأنه مشغول بالاستماع لقراءة إمامه.
أما الذين يقولون: إن قراءة المأموم للفاتحة لا بد منها، فيقولون: إن الآية هذه خصصت بالأحاديث الدالة على أنه لا صلاة لمن يقرأ بفاتحة الكتاب، ويصير المعنى أن المأموم يقرأ الفاتحة، وبعد هذا ينصت لقراءة الإمام، وعلى أي حالة الآية فيها دليل على أن الأمر يقتضي الوجوب.
والأدلة على أن الأمر يقتضي الوجوب كثيرة، منها قول الله تعالى:
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ </A>
فهذا دليل على أن أوامر الشريعة ليس فيها خيار للمكلف، إلا إن جاء الخيار من طريق الشرع، والخيار اللي ييجي من طريق الشرع، هو اللي يصرف الأمر، إما للاستحباب أو للإباحة مثلا.
ومن الأدلة أيضا قول الله تعالى:
فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ </A>
وجه الدلالة من الآية مكون من ثلاث جزئيات، مرتب بعضها على بعض، أن الآية دلت على من خالفه الأمر متوعد بهذا الوعيد العظيم، أن تصيبهم فتنة وهي الزيغ والانحراف -والعياذ بالله- أو العذاب الأليم.
الجزئية الثانية: لا يتوعد بهذا الوعيد العظيم، إلا على ترك واجب، الجزئية الثالثة: النتيجة فدل على أن أوامر الرسول -صلى الله عليه وسلم- على الوجوب، حتى يرد ما يصرفها، الشيخ -رحمه الله- اختصر على نوعين ما يخرج فيه الأمر عن الوجوب، الأول الاستحباب، ومن أمثلته ما ورد في الحديث الصحيح، أن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال:
صلوا قبل المغرب </A>
- يعني قبل صلاة المغرب-
صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب لمن شاء </A>
فلولا قوله: "لمن شاء" لكان قوله: صلوا المكرر ثلاث مرات يفيد ماذا؟ يفيد الوجوب، ولكن صرف الوجوب بهذه القرينة، ثم لا بد أن نعلم أن القرينة قد تكون قرينة ظاهرة، وقد تكون قرينة خفية، بسبب أن القرينة قد تكون في نفس النص، مثل المثال اللي مثلته لكم، القرينة اللي صرفت الأمر عن الوجوب، دليل آخر ولا بنفس الدليل، بنفس الدليل لكن قد تكون القرينة شيئا يستفاد من أدلة الشريعة وعموماتها، مثاله ما ورد في الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:
إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين </A>
ما ورد في الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:
إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين </A>
بالأمر، طبعا تعرفون الحديث، فلا يجلس. لكن هذا ما يصلح لدرسنا اليوم ما يصلح فلا يجلس، نهي. ولا. .لأ، فنحن نرى حرف النهي الآن. إذن سُقت الحديث لكم برواية الأمر: فليركع ركعتين.
تحية المسجد عند جمهور العلماء -وإن كان فيه من يقول بالوجوب- لكن تحية المسجد عند جمهور العلماء سنة.
هذه صيغة أمر، والحديث الذي معنا ليس فيه صارف، ولكن الصارف ما استفاده العلماء من أدلة أخرى؛ أنه لا واجب من الصلوات إلا الصلوات الخمس، وأما ما عداها فليس بواجب - يعني- قصدي أن ما فيه مجمع عليه إلا الصلوات الخمس، -يعني- صلاة العيدين منهم من قال: إنهما فرض عين، لكن على أي حال الجمهور استدلوا على أن الأمر مصروف عن ظاهره، بما استقر من أنه لا يجب في الشريعة -وجوبا مجمعا عليه- إلا الصلوات الخمس.
وعلى هذا فموضوع صرف الأمر من الوجوب إلى غيره: كالاستحباب- يحتاج إلى استقراء، وتتبع لنصوص الشريعة.
الإباحة، نعم، قد يرد الأمر للإباحة، لا يراد به الوجوب، والأصوليون عندهم قاعدة: أن الأمر بعد الحظر، أو ما يتوهم فيه الحظر، أنه للإباحة، الأمر بعد الحظر في مثل قول الله -تعالى-:
وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا </A>
لا أحد يقول: إن الإنسان إذا حل إحرامه يجب عليه أنه يخرج، ويدور ويصيد وجوبا. أبدا. إذن الصيد مباح، لماذا؟ لأنه كان في حال الإحرام محرَّما.
إذن القاعدة عندهم: أن الأمر بعد الحظر يكون للإباحة، أو في مقام يتوهم فيه الحظر، مثاله: أن الرسول -صلى الله عليه وسلم-: كان يُسْأل يوم النحر في حجة الوداع، يقول:
نحرت قبل أن أحلق، لم أشعر، نحرت قبل أن أحلق، قال: إفعل ولا حرج </A>
وكل الأسئلة التي ترد على الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: أيش؟ إفعل، إفعل صيغة أمر، هل هذا الأمر يراد به الوجوب؟ لا يراد به الوجوب، لماذا؟ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ذكر الصيغة في مقام يتوهم الحظر.
يعني الذي قال: نحرت قبل أن أحلق. يظن أن النحر قبل الحلق أنه محظور، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- إذا قال له: إفعل ولا حرج، يصير معنى هذا أن الذي تتصور أنه محظور، ليس بمحظور، وإنما هو مباح
لكن قول الأصوليين: إن الأمر بعد الحظر للإباحة. فيه نظر، والصواب ما عليه المحققون من أهل الأصول، وغيرهم- أن الأمر بعد الحظر يرجع إلى الأمر قبل الحظر: إذا كان واجبا، ثم جاء حظر -تعرفون حظر يعني منع- ثم جاء أمر يرجع الأمر إلى حالته الأولى، إذا كان مستحبا، وجاء حظر، ثم أمر يرجع إلى الاستحباب، إن كان مباحا، وجاء حظر، ثم أمر يرجع لإيش؟ إلى الإباحة
انظر-مثلا- إلى قول الله تعالى:
فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ </A>
قتل المشركين قبل أن تحل الأشهر الحرم واجب، في الأشهر الحرم ما فيه قتال، فإذا انقضت الأشهر الحرم يصير قتالهم مباحا؟ لا، يرجع إلى الوجوب.
الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول:
إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة </A>
إذن هي قبل الحيضة -وجوبا- تصلي، إذا حاضت فيه حظر الآن؟ فيه حظر. فإذا أدبرت فاغتسلي وصلي، يرجع الأمر إلى إيش؟ إلى الوجوب.
طيب،
كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها </A>
زيارة القبور -بإجماع أهل العلم- مستحبة، فبعد النهي عنها أمر بها، فيكون الأمر بها لإيش؟ يعود على الأصل الذي هو الاستحباب.
وهذا القول كما ذكر الحافظ بن كثير -رحمه الله- في تفسيره قال: إن هذا القول تصطنع به الأدلة، ولا يشذ منها شيء: أن الأمر بعد الحظر يرجع إلى ما كان إليه قبل الحظر.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
الأصل الثاني: الأصل في النواهي أنها للتحريم إلا إذا دل الدليل على الكراهة. هذه قاعدة عظيمة، نص عليها الشافعي -رحمه الله- في كتابه الأم، قال: إن الأصل في النهي -إذا ورد عن الله ورسوله- أنه يُحمل على التحريم إلا إذا ورد دليل يصرفه عن التحريم.
مثاله: ما ورد في حديث أبي مَرْثد الغنوي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:
لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها </A>
هذا نهي محمول على التحريم، ولا يعرف في نصوص الشريعة صرفه عن التحريم؛ ومن هنا قرر أهل العلم أن الصلاة إلى القبور -بمعنى أن القبر يكون قبلة للمصلي- أن هذا محرم شرعا؛ لأن الصلاة إلى القبور، أو الصلاة في القبور من أعظم وسائل الشرك، والتشبه بالمشركين، وهكذا موضوع الجلوس على القبور، هذا محرم شرعا؛ لأن الجلوس على القبر فيه امتهان لصاحب القبر.
لكن هل كل النواهي على التحريم؟ قد يصرف النهي إلى الكراهة -يعني- تكون رتبته أقل، ولكن لا بد من القاعدة: أنه لا يصرف النهي عن التحريم إلا لدليل.
ومن أمثلة ذلك: ما ورد في الحديث الصحيح المتفق عليه -حديث أبي قتادة- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:
لا يمسن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول </A>
فمس بالذكر باليمين منهي عنه، وكان الأصل أن يكون هذا النهي للتحريم، ولكن أهل العلم وجدوا صارفا صرفه عن التحريم، مخففا بالنسبة للمكلف، وهو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما سئل عن الوضوء من مس الذكر، كما في حديث طلق بن علي، وهو حديث صحيح، أخرجه أصحاب السنن، قال: هل هو إلا بَضْعَة منك؟
معنى بَضْعة: قطعة، كإصبعك مثلا؛ لأنه عضو من أعضائك، فقالوا: هذا صرف النهي للتحريم صرفه إلى الكراهة. وهذا قول الجمهور من أهل العلم، كما نص عليه الحافظ بن حجر في فتح الباري عند شرحه للحديث المذكور أولا.
النقطة الأخيرة في موضوع النهي: ما الدليل على أن الأصل في النهي التحريم؟
الدليل قول الله -تعالى-:
وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا </A>
وجه الدلالة من الآية: أن الله -جل وعلا- أوجب الانتهاء -يعني- وجه الدلالة مكون من ثلاث جزئيات - أسهل لكم في فهم المعلومات- وجه الدلالة مكون من ثلاث جزئيات:
الجزئية الأولى: أن الله -تعالى- أمر بالانتهاء عما نهى عنه الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
والأمر عند الإطلاق، يقتضي الوجوب، هذه الجزئية الثانية.
الجزئية الثالثة: فيكون الأمر بالانتهاء عما نهى عنه الرسول -صلى الله عليه وسلم- يكون واجبا. فإذا كان واجبا صار النهي للتحريم؛ لأنه لا يكون الانتهاء واجبا عليك -أنك تنتهي- إلا إذا كان النهي لإيه؟ للتحريم.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]الأصل الثالث الذي يحتاج إليه الفقيه: ما يتعلق بالحقيقة والمجاز: يقول -رحمه الله-:
والأصل في الكلام الحقيقة، فلا يعدل به- يعني بالكلام- إلى المجاز -إن قلنا به- إلا إذا تعذرت الحقيقة. الأصوليون يذكرون الحقيقة والمجاز، ومن المعلوم أن البحث في الحقيقة والمجاز محله كتب البلاغة، وهو ما يسمى بعلم البيان. يعني علوم البلاغة ثلاثة: علم البيان، وعلم المعاني، وعلم البديع، فالذي يبحث في الحقيقة والمجاز هو علم البيان.
ولكن الأصوليين- قاطبة- يذكرون مباحث من الحقيقة والمجاز في كتب الأصول، لماذا؟ الجواب كما قلت لكم: إن من أهم مباحث الأصول البحث في دلالات الألفاظ، ومعلوم أن اللفظ قد تكون دلالته حقيقية، وقد تكون دلالته مجازية، فرأوا أن البحث في الحقيقة والمجاز يعتبر من مباحث دلالات الألفاظ، مثل: البحث في العام والخاص، والمطلق والمقيد.. إلى آخره.
الحقيقة: اللفظ المستعمل فيما وضع له.
والمجاز: اللفظ المستعمل في غير ما وضع له، لعلاقة مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الأصلي
فإذا قلت: رأيت أسدا. فهذه حقيقة؛ لأن اللفظ استعمل فيما وضع له، والظاهر أن العرب -وإن كان يُنَازَعُ في هذا الكلام، ولكن نحن نتكلم على ما يقرره البلاغيون- أن العرب أول ما وضعت كلمة أسد وضعتها على الحيوان المفترس، لكن لو قال لك إنسان: رأيت أسدا على فرس. هنا كلمة أسد ما استعملت في معناها الحقيقي، لإيش؟ لأنه فيه قرينه تمنع من إرادة المعنى الأصلي.
ولهذا: القاعدة عند البلاغيين أنك: ما تَسْتَعْمِل اللفظ بمعناه المجازي إلا تعطي السامع قرينة، وإلا السامع وين يروح ذهنه؟ يروح للمعنى الحقيقي، فأنت -الآن- إذا قلت: رأيت أسدا على فرس. كلمة أسد هنا يراد بها الرجل الشجاع لأمرين:
الأمر الأول: أنه وجد قرينة: كلمة على فرس، والأمر الثاني: أن فيه علاقة بين الحيوان المفترس -اللي هو المعنى الحقيقي-، والمعنى المجازي -اللي هو الرجل الشجاع-، العلاقة بينهما الشجاعة.
هذا معنى الحقيقة و المجاز، لكن الذي يهم الأصوليين ما يهم الفقهاء، وهذا الذي نص عليه الشيخ -رحمه الله- عندما قال: "الأصل في الكلام الحقيقة، فلا يعدل به إلى المجاز -إن قلنا به- إلا إذا تعذرت الحقيقة" الفقهاء -ومنهم ابن قدامة في المغني- يقولون: إذا قال إنسان: هذا وقف على ولدي. فإنه لا يدخل ولد الولد؛ لأن الولد الحقيقي ولد الصلب، وولد الولد "ولدٌ" ولكنه عن طريق المجاز، فلا ينقل الوقف إلى ولد الولد ما أمكن صرفه إلى الولد.
إذن هذه مسألة فقهية تذكر في باب الوقف، ما المستند إلى الحكم فيها؟ القاعدة هذه: أن الأصل في الكلام الحقيقة، ولا يصرف إلى المجاز إلا إن تعذرت الحقيقة.
طيب، لو قال إنسان: والله لآكلن من هذه الشجرة. المعنى الحقيقي للشجرة: جزعها، وغصونها، والمعنى المجازي: الثمرة. إذن هنا ما ينصرف اللفظ إلى المعنى الحقيقي؛ لأنه متعذر، إنما ينصرف إلى المعنى المجازي.
طيب، نرجع للمثال السابق: لو إنسان ما له أولاد من صلبه، كل من عنده أولاد أولاده، ثم قال: هذا وقف على ولدي. إلى من ينصرف؟ ينصرف إلى أولاد الأولاد؛ لأنه تعذر صرفه إلى الحقيقة -الذي هو ولد الصلب-، وعلى أي حال البحث في الدلالة الحقيقية أو المجازية هذا له فائدة، من الفوائد ما ذكر الشيخ -رحمه الله- من أن الحقيقة ثلاثة أنواع:
حقيقة لغوية، وحقيقة شرعية، وحقيقة عرفية.
</FONT></FONT>
<td align=left width=25 cellpading="0" cellspacing="0"> |