[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد.
درسنا في هذه الليلة سيكون -بعون الله تعالى- في ثلاث نقاط:
النقطة الأولى: وهي المتبقية من درس الليلة الماضية مفهوم المخالفة.
والنقطة الثانية: ثلاثة أصول يحتاج إليها الفقيه.
والنقطة الثالثة: بعض من دلالات الألفاظ وطرق الاستنباط.
يقول المصنف -رحمه الله تعالى- في بيان مأخذ الأحكام الشرعية من الأدلة يقول: وتارة تؤخذ من المفهوم، وهو ما دل على الحكم بمفهوم موافقة إن كان مساويا للمنطوق، أو أولى منه أو بمفهوم المخالفة، إذا خالف المنطوق في حكمه قلنا في الليلة الماضية: إن مفهوم المخالفة ما خالف المسكوت عنه المنطوق في الحكم، ولا بد أن نفهم أولا، أن كون المسكوت عنه موافقا لمنطوق في الحكم، هذا لا يحتاج إلى شيء زائد على اللفظ، أما في مفهوم المخالفة الذي يكون المسكوت عنه مخالفا للمنطوق في الحكم، فهذا لا بد أن يكون له سبب.
وقد اقتصر المصنف -رحمه الله- على نوعين الأول الصفة والثاني الشرط، يعني أن المنطوق إذا جاء معه صفة دل على أن الصفة إن لم توجد يختلف الحكم، أو أن المنطوق إذا قيد بشرط، فإنه إذا تخلف الشرط سيختلف الحكم؛ ولهذا يقول معللا لسبب المخالفة قال: أو بمفهوم إذا خالف المنطوق في حكمه، المنطوق مفعول به منصوب، وين فاعل خالف؟ فاعل خالف، المسكوت عنه إذا خالف المسكوتُ عنه المنطوق في حكمه، لكون المنطوق هذا التعليل وصف يوصف أو شرط فيه شرط، إذا تخلف ذلك الوصف أو الشرط، تخلف الحكم.
والشيخ -رحمه الله- اختصر على هذين النوعين؛ لأنهما من أهم مفاهيم المخالفة، وهما مفهوم الصفة ومفهوم الشرط، فمثلا إذا نظرنا إلى قول الله تعالى في سورة الطلاق:
وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ </A>
منطوق الآية وجوب النفقة على المطلقات إذا كانت حاملا أخذا من قول:
وَإِنْ كُنَّ </A>
وإن أداة شرط، إذن هذا المنطوق قيد بشرط، أرأيت لو تخلف الشرط سيتخلف الحكم، وهذا هو معنى المفهوم.
إذن منطوق الآية وجوب النفقة على المطلقة إذا كانت حاملا، مفهوم الآية عدم وجوب النفقة على المطلقة إذا لم تكن حاملا، هذا الاستدلال بالمنطوق والمفهوم.
مثال آخر قول الله تعالى في سورة النساء:
وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا </A>
منطوق الآية أن ما طاب به نفس الزوجة من المهر فهو حلال للزوج، أخذا من الشرط، وهو قوله:
فَإِنْ طِبْنَ </A>
مفهوم الآية أن المرأة إذا لم تطب نفسها بشيء من المهر، فليس للزوج أن يأخذ منه شيئا.
هذا الشرط الصفة في مثل قول النبي-صلى الله عليه وسلم-:
في سائمة الغنم الزكاة </A>
وأحب أن تفهموا إلى أن الأصوليين لا يريدون بالصفة الصفة المصطلح عليها عند النحويين التي تسمى النعت؛ لأن اللفظ الذي معنا في سائمة الغنم، ما عندنا نعت هنا باصطلاح النحويين، عندي مضاف ومضاف إليه في سائمة الغنم، لكن من جهة المعنى بم وصفت الغنم؟ وصفت بالسوم، يعني بأنها سائمة.
إذن يصح أن يقال: إن هذا المنطوق وصف بوصف، إذا تخلف هذا الوصف تخلف الحكم، فإن كانت الغنم ليست بسائمة، معلوم السائمة عند الفقهاء، هي التي ترعى أكثر الحول في البر، لكن لو إنسان عنده غنم في حظيرة، أو في حوش ينفق عليها طوال السنة، فهذه ليس فيها زكاة سائمة؛ لأنها ليست بسائمة، لكن إن كان أعدها للتجارة، فإذا باعها، الزكاة في قيمتها كسائر عروض التجارة.
وعلى هذا فمفهوم المخالفة سمي بمفهوم المخالفة؛ لأن المسكوت عنه يخالف المنطوق في الحكم، ومفهوم المخالفة حجة عند جماهير أهل العلم، والأدلة على حجية مفهوم المخالفة كثيرة، ولعلي أكتفي منها بدليلين -مراعاة للوقت-
الدليل الأول: أن فصحاء اللغة وفرسان البلاغة يدركون أن التقييد بوصف، أو شرط يدل على تخلف الحكم عند فقد الوصف أو الشرط، فقد ورد في الحديث الصحيح، أن يعلى بن أمية حاء إلى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وقال: يا عمر الله -جل وعلا- يقول:
فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا </A>
وقد أمن الناس إذن هو الآن يعلى بفصاحته يريد أن قولنا: إيه، إن الآية لها منطوق ولها إيه، مفهوم، منطوق الآية أن القصر مربوط بالخوف، وما دام أن هذا القيد -وهو الخوف- قد زال وأمن الناس، إذن ينبغي أن موضوع القصر ينتهي.
هذا فهمه هو، إذن هذا يدلنا على أن أصحاب اللغة الفصحاء يدركون مفهوم المخالفة ويعملون به، فقال عمر -رضي الله عنه-: عجبتُ مما عجبتَ منه، يعني الفهم الذي فهمته أنت أنا فهمتُه، وقد سألت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال:
صدقة تصدق بها عليكم فاقبلوا صدقته </A>
طيب هل في لفظ الرسول -صلى الله عليه وسلم-، هذا سؤال لكم أنتم هل في لفظ الرسول -صلى الله عليه وسلم- أيضا دليل على حجية مفهوم المخالفة؟.
تفضل يا أخي أنت، وجه الدلالة، ما وصلني صوتك، أحسنت، إن الرسول - صلى الله عليه وسلم- ما أنكر على عمر سؤاله، بل أقره عليه فالرسول -صلى الله عليه وسلم- بجوابه، كأنه يقول: نعم، إن مفهوم المخالفة معمول به، لكن في هذه الآية بالذات لا يعمل به؛ لأن كونكم تقصرون في حال الخوف والأمن، هذه صدقة من الله -جل وعلا- هذا دليل.
الدليل الثاني: أن التقييد بالوصف أو الشرط، لا بد أن يكون له فائدة، ولا سيما في نصوص الشرع، وإلا لماذا يقول الرسول-صلى الله عليه وسلم-: في سائمة الغنم الزكاة ؟
لو لم تكن كلمة سائمة لها فائدة، لما كان لذكرها معنى، بل إن العرب أو ما هم العرب، البلاغيون يرون أن الزيادة التي ما لها فائدة تعتبر حشوا وتطويلا، يعني مثلا قول الشاعر:
يقولون: ليش، يقول: كلمة الرأس دي؟ الصداع وين يكون؟ معروف أن الصداع في الرأس، إذا يعتبرون كلمة الرأس دي حشو ما لها قيمة، أرأيت لو أن الغنم فيها زكاة سائمة وغير سائمة، هل يكون لقوله: سائمة في الحديث لها معنى؟ لا، يكون تطويل بدون فائدة، فهذان دليلان على أن مفهوم المخالفة يكون حجة.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]ثم انتقل المصنف إلى نقطة أخرى، وكان الأولى أننا نضع له عنوانا مستقلّا، بحيث تكون النقاط أربعة، فتكون النقطة الثانية في درس اليوم أنواع الدلالة، وهذا البحث -يا إخوان- من المباحث المهمة، أن طالب العلم ينبغي أن يعي أنواع الدلالة؛ لأجل أن يستعملها عند الاحتياج إليها؛ ولهذا الشيخ -رحمه الله- مع أن رسالته مختصرة، إلا أنه ذكر أنواع الدلالة فقال:
الدلالة من الكتاب والسنة ثلاثة أقسام، دلالة مطابقة إذا طبقنا اللفظ على جميع معناه. هذه دلالة المطابقة.
دلالة اللفظ على تمام ما وضع له، اللي هو معنى كلام الشيخ، إذا طبقنا اللفظ على جميع معناه فإطلاق مثلا كلمة رجل على الذكر، دلالة مطابقة لماذا؟ لأن اللفظ -اللي هو كلمة رجل- دل على تمام معناه الذي هو الذكر، ودلالة كلمة امرأة على الأنثى، لكن الذي يعنينا، وهذا هو الذي ينبغي-كما قلت لكم لدارس الأصول- أن تكون أمثلته من نصوص الكتاب والسنة فيفهم الأصول.
مثال دلالة المطابقة، دلالة لفظ الصلاة على ركوعها وسجودها وشروطها وواجباتها، كل ما يتعلق بالصلاة، دلالة لفظ الصلاة عليه دلالة مطابقة؛ لأن اللفظ يدل على جميع معناه، أن على تمام معناه، فإذا قلنا: الصلاة لا بد لها من شروط قبله وأركان وواجبات، دلالة كلمة صلاة على الشرط والأركان والواجبات، يسمى دلالة مطابقة؛ لأن اللفظ دل على تمام معناه
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]الثاني قال: دلالة تضمن، إذا استدللنا باللفظ على بعض معناه. وإن شئت قل دلالة اللفظ على بعض ما وضع له، دلالة الصلاة على الركوع من أي أنواع الدلالة؟ ولماذا؟ أنتم، نعم، لماذا؟ نعم، الآن الركوع جزء من أجزاء الصلاة، إذ دلالة لفظ الصلاة على الركوع أو على السجود يسمى دلالة تضمن؛ يعني لأن الصلاة تتضمن الركوع وتتضمن السجود.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]النوع الثالث: دلالة التزام ودلالة الالتزام دلالة اللفظ على الخارج اللازم، لو أراد إنسان أن يقول: إن قول الله تعالى:
وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ </A>
يدل على وجوب ستر العورة، هذه تدل على وجوب ستر العورة استدلال صحيح؟ صحيح لماذا؟ لأنه استدل بالآية على ستر العورة، من باب دلالة الالتزام؛ لأن من لوازم الصلاة، ومن شروط الصلاة ستر العورة.
وهذا معنى قولنا: دلالة اللفظ على الخارج اللازم، يعني ستر العورة، هل هو داخل في ماهية الصلاة؟ لا، ليس من أركانها ولا من واجباتها إنما هو إيه؟ من الشروط، وكما تعلمون الشروط هي ما يسبق العبادة، إذن الاستدلال بالآية على ستر العورة، أو على استقبال القبلة، أو على الطهارة من أي أنواع الدلالة؟ من باب دلالة الالتزام.
ولهذا يقول الشيخ: ودلالة الالتزام إذا استدللنا بلفظ الكتاب لاحظوا يقول: لفظ يعني يقصدوا أيش بلفظ؟ إنك تستدل بالآية مثل الآية اللي استدللنا بها وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ </A> إذا استدللنا بلفظ، ضعوا فوقها خطا، كلمة لفظ تنتبهون لها، إذا استدللنا بلفظ الكتاب والسنة ومعناهما على توابع ذلك ومتمماته وشروطه، وما لا يتم ذلك المحكوم فيه، أو المخبر عنه إلا به. إذن صارت الشروط واللازم الاستدلال عليها من أي أنواع الدلالة؟ من باب دلالة الالتزام، طيب مثال آخر قول الله تعالى:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا </A>
نريد نستدل بالآية دي ثلاث مرات، مرة يكون استدلالنا من باب دلالة المطابقة، وذلك إذا استدللنا بالآية على وجوب أداء الأمانة كاملة غير منقوصة.
إنسان مثلا عطيته ألف ريال، قلت: هذه أمانة عندك، وضعته له في ظرف وشمعت عليه، وقلت: هذه أمانة عندك، بعد شهر تعطيني إياه، فجيته أنت وأعطاك الأمانة الظرف بما فيه، إذن أدى إليك الأمانة كاملة غير منقوصة، فدلالة الآية على هذا دلالة مطابقة.
طيب لو استدللنا بالآية على وجوب الأخذ من الأمانة، إنك ما تأخذ من الألف ولا ريال، مع أن الآية ما فيها هذا، فيها أداء الأمانة، لكن أليس عدم الأخذ من الأمانة بعضا من أداء الأمانة؟ أداء الأمانة يقتضي مثلا حفظه، عدم التعدي عليها، عدم الإطلاع عليها -إذا كانت مظرفة- عدم الأخذ منها، يعني فيه عدة جزئيات، إذا استدللنا بالآية على بعض الجزئيات مثل الصلاة، يصير الاستدلال من باب دلالة التضمن.
طيب إذا استدللنا بالآية على وجوب حفظ الأمانة، الآن كيف يتم أداء الأمانة بأيش؟ بحفظها، إذن الحفظ من لوازم أداء الأمانة من شرط أداء الأمانة.
مثل ما مر علينا الطهارة من لوازم الصلاة، من شروط الصلاة هذه مثلها، إذن إن استدللنا بالآية على الأداء دلالة مطابقة، استدللنا بالآية مثلا على تغيير مكان الأمانة، عدم تغيير مكانها أو عدم كشفها دلالة تضمن، إن استدللنا بالآية على حفظ الأمانة دلالة التزام.
</FONT>
<td align=left width=25 cellpading="0" cellspacing="0"> |
</FONT>
<td align=left width=25 cellpading="0" cellspacing="0"> |
.