[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]النوع الثالث:
وتارة تؤخذ من المنطوق وهو ما دل على الحكم في محل النطق، وتارة تؤخذ من المفهوم، وهو ما دل على الحكم بمفهوم موافقة، أو بمفهوم مخالفة. طيب الشيخ هنا أشار إلى نوع من دلالات الألفاظ، وهو ما يسمى بالمنطوق والمفهوم، والمنطوق والمفهوم هذا من مباحث دلالات الألفاظ المهمة، إذ لا يستغني عنه دارس ولا مفسر ولا محدث ولا فقيه.
فالمنطوق ما دل عليه اللفظ، يعني ما أخذ من اللفظ، يعني ما أخذ من العبارات والأحرف اللي أمامك، هذا يسمى منطوق، فأنت مثلا إذا قرأت قول الله تعالى:
فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ </A>
اللي يؤخذ من أحرف الآية تحريم التأفيف في حق الوالدين، وهو التضجر أن التضايق بما يوحى من العبارات، هذا المنطوق يؤخذ من مفهوم اللفظ، إذا سمعت مثلا قول النبي- صلى الله عليه وسلم-:
في سائمة الغنم الزكاة </A>
السائمة كما تعلمون التي ترعى أكثر الحول، تأخذ من العبادات اللي أمامك أنه لا زكاة إلا في السائمة، فالطريقة هذه تسمى استنباط الحكم من المنطوق.
قال: وتارة تؤخذ من المفهوم، المفهوم ما دل على الحكم لا في محل النطق، يعني الأحرف اللي أمامك ما لك فيها علاقة، بل لا بد أن تغوص في الأعماق، وفي الجذور لتستنبط المفهوم، والمفهوم عند الأصوليين قسمان -كما ذكر الشيخ- مفهوم موافقة، ومفهوم مخالفة.
مفهوم الموافقة: ما وافق المسكوتُ، اضبطوها بالشكل، ما وافق المسكوتُ عنه المنطوق في الحكم هذا مفهوم الموافقة، مفهوم المخالفة، بدل كلمة ما وافق ضع كلمة خالف، وباقي الكلام يمشي، يصير مفهوم المخالفة ما خالف المسكوت عنه المنطوق في الحكم.
إذن مفهوم الموافقة يصير المسكوت عنه، والمنطوق حكمها واحد، أما مفهوم المخالفة يكون المسكوت عنه يغاير المنطوق في الحكم، وأيهما أصعب الموافقة ولَّا المخالفة؟ المخالفة؛ ولهذا تجد كلام الأصوليين في مفهوم المخالفة أكثر من كلامهم في مفهوم الموافقة، طيب مفهوم الموافقة كما ذكر الشيخ نوعان.
الأول: أن يكون المسكوتُ عنه مساويا للمنطوق، والثاني: أن يكون المسكوت عنه أولى من المنطوق.
إذن كم نوع مفهوم الموافقة؟ نوعان مساوٍ وأولوي، نرجع إلى آيتنا التي ذكرنا
فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ </A>
الآية دي لها مفهوم، وهو أن الآية لما ذكرت التأفيف يبقى موضوع الضرب أو الشتم، هذا ما يؤخذ من ظاهر الآية؛ لأن الآية تتعلق بالقول المقيد بالتأفيف، فيكون الضرب مأخوذ من المفهوم، ولكن مع هذا يعني مع أنه مفهوم، إلا أنه أولى بالتحريم من المنطوق.
فالذي يضرب والديه -والعياذ بالله- أقبح جرما وأعظم إثما ممن يقول: لهما أف، لكن مع هذا تلاحظون أن الحكم تغير، ولَّا ما تغير؟ ما تغير اللي هو التحريم، إذن استفدنا منها الآية هذي تحريم التأفيف عن طريق المنطوق، وتحريم الضرب عن طريق المفهوم، طيب هل هما متساويان؟ لا.
المفهوم أولى بالحكم، يعني أولى بالتحريم من المنطوق، طيب مثل قول الله تعالى:
إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا </A>
منطوق الآية ما يتعدى أكل مال اليتيم بأي طريق من طرق الأكل، سرقة، بغش، بتحايل أي طريق الطرق لاكتساب المال، الطرق الصحيحة كثيرة، والطرق الباطلة كثيرة.
إذن الآية ركزت على الأكل، لكن يبقى هل إتلاف مال اليتيم مقصور على الأكل؟ لا، قد يكون الإتلاف بالإحراق وقد يكون الإتلاف بالإغراق، أو غير ذلك من أنواع الإتلاف، فهل نقول الآن: إن حكم الإغراق أو الإحراق يختلف عن الأكل؟ الحكم واحد، وبهذا يكون المسكوت عنه مساويا للمنطوق في الحكم، صحيح أنه قد يدعي الفرق طبعا، وهذا مبحث آخر ما ندخل فيه.
قد يقول قائل: فيه فرق، نقول: نعم، فيه فرق، قد يكون الأكل فيه مصلحة للآكل والإغراق ما فيه مصلحة لآكل، لكن مع هذا نقول: هذا الفرق لا يعنينا؛ لأن المقصود أنه لا يجوز التعدي على مال اليتيم، سواء كان المتعدي استفاد بنفسه أو لم يستفد، طيب انتهينا من موضوع مفهوم الموافقة، ما حجيته ؟.
نقل شيخ الإسلام بن تيميه -رحمه الله- الإجمالي -كما في مجموع الفتاوى- على أن مفهوم الموافقة حجة، وقال: إن إنكاره من بدع الظاهرية، الظاهرية ما يأخذون به، الظاهرية بيقولون: خلاص يحرم أكل مال اليتيم، لكن إحراقه وإغراقه هذا ما يحرم؛ ولهذا قال الشيخ -رحمه الله-: إن إنكاره مفهوم الموافقة من بدع الظاهرية التي لم يسبقهم إليها أحد من السلف، بقي مفهوم المخالفة يكون -إن شاء الله- في الليلة القادمة، -والله أعلم- وصلى الله على نبينا محمد.
س: بسم الله الرحمن الرحيم، هذه بعض الأسئلة، يقول: فضيلة الشيخ -سلمه الله- الرجاء منكم توجيهنا إلى كتاب، أو إلى أنفع كتاب في الأصول لمسائله، خال من علم الكلام، موافق للصواب، وجزاكم الله خيرا ؟
ج: هذا سؤال صعب، وأخشى أن يكون هذا السؤال من الأسئلة التي يرسب فيها، السائل شرط شروطا، لا مجال لتحققها إلا بالمختصرات، مثل هذا المختصر الذي بأيدينا، وإلا فإن معظم كتب الأصول كما قلت، لكن في الليلة الماضية لا تخلو مما أراد السائل الخلو منه، ولكن بين مقل ومكثر.
وأحسن ما يتجه إليه الدارس، هو الكتب المختصرة، أما الكتب المطولة، فلا أظن يعني أن مثل هذا السائل يستطيع أن يستوعبها، وأن يستفيد منها، فيه من المختصرات طبعا غير الكتاب الذي معنا، وغير الورقات للجويني، وغير مثلا كتاب محمد العثيمين -رحمه الله- اللي يدرس في المعاهد العلمية الأصول من علم الأصول، نريد نرتفع قليلا، عندك مثلا مختصر الطوفي المطبوع بما ليس باسم له وهو البلبل، البلبل -بلامين- هذا اختصره الطوفي -رحمه الله- من روضة الناظر، مع أنه ما فيه اختصار واضح وبين، لكن مع هذا يعتبر من الكتب المختصرة.
فيه كتاب آخر، أنا سبق شرحته في المسجد في "بريدة" هناك، وهو الآن في المطبعة ولعله -إن شاء الله- يخرج إن سوعد بداية العام الدراسي القادم، شرح الكتاب اسمه قواعد الأصول ومعاقب الفصول، هذا الكتاب مختصر وجيد، وقد وصفه عبد القادر بدران في كتابه المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل، كتاب في أصول الفقه.
قال عن هذا الكتاب: إنه من أحسن المختصرات في أصول الفقه عند الحنابلة، فهو مختصر جيد، وما فيه يعني تجرد من موضوع علم الكلام هذا عزيز، لكن هذا الكتاب يعتبر من الكتب الجيدة، حسب ما ترددت فيه، فهذه بعض من الكتب التي تحضرني الآن إجابة على هذا السؤال.
س: فضيلة الشيخ، سائل يقول: هل هناك قاعدة تدل على أن هناك بعض المسنونات إذا تركت أصبح تركها مكروها، ومن السنن ما إذا ترك لم يكن ترمها مكروها؟ وما ضابط ذلك؟ مع التمثيل.
ج: العلماء عندما يتكلمون على المكروه، يقسمون المكروه إلى ثلاثة أقسام، نحن أخذنا المكروه، لكن ما عندنا من الوقت أن نفضل مكروه كراهة تنزيه، وهو المصطلح عليه عند الأصوليين باسم المكروه، ومكروه كراهية تحريم، وهذا كما قلت لكم في معظم عبارات المتقدمين.
الصنف الثاني يسمونه ترك الأولى، ويقولون: المراد بترك الأولى ترك السنن المندوبة، وقد مثلوا بذلك بمن يواظب على ترك سنة الضحى، فيكون ترك سنة الضحى خلاف الأولى، ومثل له العلماء -فقهاء الحنابلة- بترك الآذان، يعني على القول: بأن الآذان أن سنة، فقالوا: إن ترك الآذان يكون من باب ترك الأولى، فهم يعتبرون ترك الأولى قسما مستقلا، ويضبطونه بأنه ترك السنن المندوبة.
وكما تعلمون السنن المندوبة لا يأثم تاركها، لكن العلماء يعتبرون هذا نقصا في الإنسان، لا لأنها واجبة، ولكن كما يقول الأصوليين: عن ترك المندوبات يدل على الزهد في الطاعة والرغبة عنها، ولا ريب أن من يزهد في الطاعات ويرغب عنها، ليس كمن يرغب فيها، نعم.
س: وهذا سؤال ورد عبر الإنترنت، يقول: ما معنى العموم اللفظي والعموم المعنوي؟.
ج: العموم اللفظي يعني من الأمثلة التي يمثل بها للظاهر قول النبي -صلى الله عليه وسلم-:
توضئوا من لحوم الإبل </A>
إذ كلمة توضئوا لها معنيان، المعنى الأول المعني اللغوي عرف الوضوء في اللغة معناه النظافة، لو إنسان مثلا أخذ الصابونة وغسل يديه بعد الطعام، يصح من المعنى اللغوي أن يقول: أيش؟ أن يقال: توضأ، لكننا نحن لا نستعمل مثل هذا اللفظ؛ لأننا تعودنا أن كلمة توضأ ينصرف إلى المعنى الثاني، الذي هو المعنى الشرعي.
فنحن إذا سمعنا الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول:
توضئوا من لحوم الإبل </A>
هل الرسول يتكلم بلسان علماء اللغة، ولاَّ يبين حقائق الشرع؟ يبين حقائق الشرع، إذن يصير المعنى المتبادر من هذا الحديث هو الوضوء الشرعي، وليس الوضوء اللغوي، طيب أيش السبب؟ السبب أن هذا حقيقة شرعية، والنظافة حقيقة لغوية.
بقي كلام الشيخ، لعلك تدرك أن العموم اللفظي والعموم المعنوي أمران متلازمان، بل إنه قد يقال: إن الشيخ ليه يقول: العموم اللفظي، لكني أنا ما أدرت أن أتكلم عند النقطة، لكن لما السائل سأل، رأينا أن نجيب، يعني هم يعتبرون إن كلمة عام، إن هذا للفظ للمعنى، وليس وصلا للفظ.
فإذا قلت إن هذا معنى عام يكفي عن قولك: هذا اللفظ عام، فالمقصود بهذا أن العموم اللفظي والعموم المعنوي أمران متلازمان؛ لأنه إذا كان اللفظ عام سيترتب عليه أن المعنى عام، إلا إذا دخله التخصيص، يصير اللفظ عاما، ولكن أخرج منه بعض الأفراد، فما بقي على عمومه، نعم.
س: أحسن الله إليكم، هذا يقول: بناء على قولنا: بأن الإجماع لا بد أن يستند إلى دليل، فعليه يمكننا أن نقول: بأن الإجماع ليس دليلا مستقلّا، بل هو دليل مساند؟
ج: الخلاف لفظي في هذا، الخلاف هنا لفظي، لكن الإجماع إن علم دليله، يصير دليلا مساندا، أما إذا ما علم دليله، يعني ما علم مستند الإجماع يكون أيش؟ يكون الإجماع دليلا مستقلّا، فأتاه إذا كانت المسألة دي ما عندي فيها إلا الإجماع، صار الآن الإجماع دليلا مستقلا، لكن مثلا المسألة اللي مثلت لكم، ما حكم الجمع بين المرأة وعمتها؟ محرم.
الدليل عندنا الدليل من السنة، وعندنا الدليل من الإجماع، إذن يصير الإجماع في هذه الحالة دليلا مساندا، فالأصوليين يذكرونه إن كان دليلا مساندا، يكون مقويا للأدلة مثل السنة، كما مر علينا أن من أنواع السنة، أن تكون السنة مؤكدة للقرآن، فكذلك الإجماع، وإن لم نعلم الدليل، يكون الإجماع دليلا مستقلا -والله أعلم-.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.