[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
هذه الفروع الأربعة أولها -كما قال الشيخ -رحمه الله-:
وبه نعلم أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. هذا له أمثلة كثيرة في الفقه الإسلامي. فمثلًا: وسائل الصلاة التي لا تتم الصلاة إلا بها واجبة. فإذا كان الإسلام أمر بالصلاة فهو أمر بالصلاة، وبما لا تتم الصلاة إلا به: كالطهارة، وستر العورة، واستقبال القبلة، ونحو ذلك، فهذه أمور يتوقف عليها أداء الواجب إذن تكون واجبة.
إذا جئنا لأمور أخرى ليس فيها أدلة... وسائلها... خذ -مثلًا- بر الوالدين، وصلة الأرحام. فكل ما أدى إلى بر الوالدين فهو مطلوب: إذا كان الإنسان لا يمكن أن يبر والديه إلا بأن يركب سيارته، ويقطع الطريق -يعني يقطع المسافة- فإن ركوب السيارة، وقطع المسافة مطلوب، هل عليه دليل؟ ليس عليه دليل -في حد ذاته-، ولكن دليله دليل المقصد.
الإسلام أمر ببر الوالدين، فالأمر ببر الوالدين يتناول شيئين: يتناول الأمر بالبر في حد ذاته، ويتناول ما لا يتم البر إلا به: كقطع المسافة -مثلًا-، والذهاب.
ولهذا تجد أن العلماء في باب التيمم -مثلًا- يقولون: إذا أمكن أن الإنسان يشتري ماء الوضوء بثمن المثل، أو بزيادة لا تضره فإنه يلزمه شراء الماء. لو قال قائل: أعطني دليلًا على أني أشتري ماء الوضوء. ما فيه دليل في -حد ذاته-، ولكن الأمر بالوضوء أمر بالوضوء -في حد ذاته-، وأمر بشراء ماء الوضوء.
وعلى هذا فهذه قاعدة عظيمة، يُفزع إليها في أحكام قد لا تكون أدلتها واضحة. لكن لا بد من التنبه إلى نقطة مهمة وهي: لا يظن أحد أن هناك أحكامًا شرعية تثبت بمجرد هذه القاعدة؛ لأن الأحكام الشرعية لا بد لها من دليل -كما سيأتي-. الأحكام الشرعية لا تثبت بمثل هذه القاعدة، وإنما تثبت بأدلة الأصل، وإن شئت قل: بأدلة المقصد.
لكن مع هذا بعض الوسائل توافر عليها دليلان: دليل خاص بالوسيلة، ودليل بواسطة هذه المقدمة، مثاله: السعي لصلاة يوم الجمعة. السعي وسيلة؟ وسيلة، هذه الوسيلة توافر عليها دليلان: أولًا: دليل في حد ذاتها، كقول الله تعالى:
إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ </A>
الأمر الثاني: الأدلة التي توجب صلاة الجمعة توجب السعي إلى صلاة الجمعة، وعلى هذا نستطيع أن نقول: إن الوسيلة قد يكون دليلها دليل المقصد، وقصدي بهذا أننا لا نثبت أي وسيلة إلا بدليل، أما نفس القاعدة -هذه- ما تثبت شيء. إنما القصد من هذه القاعدة تنزيل مقدمات الواجبات على ضوئها فقط.
لكن لا يقصد العلماء أنك تثبت حكما شرعيا بطريقة القاعدة هذه، إنما أنت تبين بهذه القاعدة أن هذه الوسيلة دليلها دليل المقصد، وقد ضربت لكم بعض الأمثلة. لكن مع هذا بعض الوسائل قد يكون فيها دليل لحد ذاتها إضافة إلى دليل القاعدة
هذا النوع الأول وهو: "ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب" وقبل أن أنتقل أشير إلى أن هذا النوع اشترطوا له شرطا وهو: أن تكون وسيلة الواجب مقدورًا عليها، فأما إن كانت وسيلة الواجب غير مقدور عليها فإنها لا تكون واجبة. فلا يطالب الإنسان بصلاة الجمعة إذا كان غير قادر على الذهاب إلى المسجد، ولا يطالب الإنسان بأداء فريضة الحج إذا كان غير قادر على الذهاب إلى مكة.
إذًا شرط هذه الوسيلة أن تكون في مقدور... أن يكون المكلف قادرًا عليها -بمعنى أنها تكون في مقدوره واستطاعته- أما ما لا يقدر عليه المكلف فأدلة الشريعة تدل على أنها ساقطة عنه، وسيأتينا -إن شاء الله- القاعدة: أنه لا واجب مع العجز، ولا محرم مع الضرورة.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
الفرع الثاني: ما لا يتم المسنون إلا به فهو مسنون. هذه الفرعية الثانية من الموضوع أمرها واضح، يعني أن مندوبات الشريعة مندوبات، ووسائلها مندوبة، مثلًا السواك: السواك سنة، فإذا ترتب على السواك أن يذهب الإنسان إلى السوق، ويشتري السواك فهو مأمور، ولكنه ليس أمر إيجاب، وإنما هو أمر استحباب.
النبي -صلى الله عليه وسلم- حث على الطيب يوم الجمعة، فإذا كان الطيب يوم الجمعة لا يتم إلا بشرائك للطيب فإنك مأمور بشراء الطيب. ورد -مثلا- فضل حلق الذكر، ومجالس العلم، إذا كان هذا لا يتم إلا بنقل الأقدام إليها، والذهاب إليها فالإنسان مأمور بهذه الوسيلة.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
الفرع الثالث: قال:
ما يتوقف الحرام عليه فهو حرام. يعني أن وسائل المحرم محرمة، ومعلوم أن الإنسان -والعياذ بالله- إذا أراد أن يرتكب معصية من المعاصي فلا بد أن يكون هناك وسيلة، ومن أوضح الوسائل الذهاب إلى المعصية، أو إلى مكان المعصية. فإذا كانت المعصية محرمة فوسيلتها محرمة، والإنسان إذا ركب سيارته ليذهب إلى مكان محرم فمن أول ما ركب سيارته وقع -الآن- في المحرم؛ لأن الوسائل لها أحكام المقاصد.
</FONT>
<td align=left width=25 cellpading="0" cellspacing="0"> |
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
والفرع الرابع -وهو أقلها-:
وسيلة المكروه مكروهة. يعني كل ما أدى إلى المكروه فهو مكروه، وقد مثل العلماء لذلك بأمثلة منها: مداومة النوم عن قيام الليل. فقيام الليل مستحب، وفيه فضل عظيم، وتركه يكون مكروهًا على القاعدة عند العلماء: أن ترك الأولى داخل في المكروه. فمن داوم على النوم ليلًا تكون مداومته في هذه الحالة مكروهة؛ بسبب مداومته ترك قيام الليل.
ومن الفروع على هذه القاعدة: أن مس الذكر باليمين حال البول مكروه -كما سيأتي إن شاء الله-. فلو أن إنسانًا أمسك بيده الشمال حاجة لا داعي لها، فاضطر إلى أن يمسك ذكره بيمينه يكون إمساك الحاجة بيده الشمال إيش؟ مكروهًا؛ لأنه صار وسيلة إلى مكروه.
هذه فروع أربعة تتفرع عن هذه المسألة، وعن هذه القاعدة، وهي قاعدة: الوسائل لها أحكام المقاصد.
النقطة الثالثة والأخيرة: الأدلة على هذه القاعدة منها: قول الله -تعالى- في صفة المجاهدين مع الرسول -صلى الله عليه وسلم-:
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ </A>
+إلى آخر الآية التي بعدها.
فهذه الآية فيها دليل بيِّن على أن الوسائل لها أحكام المقاصد. ما وجه الدلالة من الآية؟ أن الله -جل وعلا- ذكر ثواب المجاهدين مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- مع أنهم في أثناء الطريق، ما وصلوا إلى ميدان القتال. ذكر النفقة، وذكر أنهم لا يقطعون واديًا. فهذا دليل على أنهم يمشون، يسيرون، ومع هذا أثبت لهم الأجر. إذن هذا دليل على أن الوسائل لها أحكام المقاصد، ودليل على أن الإنسان كما يثاب على المقصد يثاب -أيضًا- على الوسيلة.
الدليل الثاني: ما ورد في الحديث الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:
من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة </A>
فالحديث ما ذكر ثواب طلب العلم، إنما ذكر ثواب الطريق الموصل إلى طلب العلم. ما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: من طلب علمًا فهو في الجنة. قال:
من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة </A>
الدليل الثالث: ما ورد في الأحاديث الصحيحة من الثواب المرتب على الخُطا في الذهاب إلى الصلاة، والرجوع منها. كما في قصة الصحابي -كما أخرجه مسلم في صحيحه- حديث أبي بن كعب أنه قال: كان رجل بعيدًا من المسجد. .
كما أخرجه مسلم في صحيحه، حديث أبي بن كعب، أنه قال:
كان رجل بعيدا من المسجد، ولا تخطئه صلاة، فقيل له لو اشتريت حمارا تركبه في الظلماء وفي الرمضاء، قال: ما أحب أن داري قريبة من المسجد، إني أحب أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد ورجوعي إلى أهلي، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: إن الله قد كتب لك ذلك كله أو جمع لك ذلك كله </A>
إذن هذا إنسان يبدأ رصيده من الحسنات من أول ما يخرج من البيت، طالت المسافة أو قربت، فهذا يؤيد أن الوسائل لها أحكام المقاصد.
ويمكن أن يضاف في الاستدلال أيضا، ما ورد أن النبي- صلى الله عليه وسلم- نهى المصلي إذا خرج أن يشبك بين أصابعه، ونهاه أيضا أن يسرع، وأمره أن يكون على سكينة ووقار، فقال-صلى الله عليه وسلم-:
فإن أحدكم في صلاة إذا كان يعمد إلى الصلاة </A>
إذن دليل على أن من يخرج من بيته فهو في صلاة، فهذه الأدلة تبين لنا عظم هذا الأصل، ومدى الثواب العظيم المرتب عليه.
</FONT></FONT></FONT>
<td align=left width=25 cellpading="0" cellspacing="0"> |