سفيان الثوري عـضـو متألــق
عدد الرسائل : 148 المدينة : الفنيدق تاريخ التسجيل : 09/08/2009
| موضوع: اصول الفقه الدرس الثالث الخميس 27 أغسطس - 17:24 | |
| [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
وبهذا نعرف الضرورة والحاجة إلى معرفة أصول الفقه وأنها معينة عليه وهي أساس النظر والاجتهاد في الأحكام. الشيخ -رحمه الله- يشير إلى فائدة واحدة من فوائد الأصول، وهي أهم الفوائد على الإطلاق -كما قلت لكم في بداية الكلمة- وهي: استنباط الأحكام الشرعية على أسس سليمة وقواعد صحيحة؛ ولهذا نص شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- على هذه الفائدة حيث قال:" إن المقصود من أصول الفقه أن يفقه مراد الله ورسوله بالكتاب والسنة" وبهذا نكون أنهينا الجزئية الأولى. </FONT> <td align=left width=25 cellpading="0" cellspacing="0"> |
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
ننتقل الآن إلى الجزئية الثانية وهي: الأحكام الشرعية يقول -رحمه الله-:
الأحكام التي يدور الفقه عليها خمسة: الواجب الذي يثاب فاعله ويعاقب تاركه، والحرام ضده، والمسنون الذي يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه، والمكروه ضده، والمباح مستوي الطرفين.
الأحكام الشرعية خمسة: الواجب والمندوب والمحرم والمكروه والمباح، ووجه الحصر في هذه الأقسام الخمسة أن نصوص الشريعة إما طلب -يعني موجه إلى المكلفين- إما طلب، وإما تخيير، وإما وضع، والوضع- هذا- يسمى الأحكام الوضعية، والشيخ -رحمه الله- ما تعرض لها. الطلب نوعان: إما طلب فعل وهذه الأوامر: وإما طلب ترك وهذه النواهي. الأوامر نوعان: إما أوامر طلبت على سبيل الإلزام، هذا واجب، أو أوامر طلبت لا على سبيل الإلزام هذا المندوب. النواهي -كذلك-: إلزام أو بدون إلزام، والخامس المباح. إذن هذه الأحكام الخمسة مفرعة من الطلب بنوعيه، ومن المباح. هذه الأقسام الخمسة العلماء في تعريفها يسلكون طريقتين: إما التعريف بالحد والتصور، وإما التعريف بالحكم والنتيجة والثمرة. فالشيخ -رحمه الله- جرى على الثاني: فعرف الواجب بأنه ما يثاب فاعله ويعاقب تاركه، وهذا يسمى تعريف الثمرة والنتيجة، أما تعريف الواجب بالحد فهو ما أمر به الشرع على وجه الإلزام. وكثير من الأصوليين يرجح أن التعريف ينبغي أن يكون بالحد والضابط، لا بالحكم ولا بالثمرة؛ لأنهم يقولون: إن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، حتى إن ابن عقيل الحنبلي في كتابه الواضح في الأصول قال: "إن الحد ببيان الثمرة يأباه المحققون" -يعني- وصفهم بالمحققين. المندوب: مقابل للواجب، فهو ما أمر به الشرع، لا على وجه الإلزام، حكمه يثاب فاعله، ولا يعاقب تاركه، المحرم: ما نهى عنه الشرع على وجه الإلزام، والمكروه: لا على وجه الإلزام، والمباح: ما استوى طرفاه -يعني- لم يتعلق به لا أمر ولا نهي. هذه أمور واضحة ومعلومة للجميع، ولا نريد أن نزيد فيها على ما قاله المؤلف؛ لأن أمامنا ما هو أهم منها، ولكني قبل أن أنتهي من ذكر الأحكام الخمسة أود أن أضع النقاط على الحروف في نقطتين:
- النقطة الأولى : ذكر الشاطبي -رحمه الله- في الموافقات "أن المندوب خادم للواجب" ويعني بهذا -رحمه الله- أن المحافظة على المندوبات سياج منيعة تؤدي للمحافظة على الواجبات؛ لأن الغالب أن من يحافظ على نوافل الصلاة -مثلًا- فإنه لن يقصر في واجبها، وهكذا بقية أحكام الشريعة.
فالذي يحافظ -مثلًا- على نوافل الصلاة تجد هذا صلاته أحيطت بسياج منيعة، أحاطها بفعله للمندوبات: إذا كان -مثلًا- يتقدم للمسجد قبل الصلاة بعد الأذان ويتأخر، فهذا تجد أن فريضته سلمت من أي نقص يدخل عليها، انظر إلى حال الناس لا تهمهم النوافل القبلية ولا البعدية، ولا تهمهم الأذكار، ماذا تلاحظون؟ تلاحظ أن الخلل ما اقتصر على التقصير في المندوبات فقط، بل تعدى إلى الواجبات؛ ولهذا نجد الذي يفوته جزء من الصلاة، أو تفوته الجماعة إنما أُتي من قبل إخلاله بالمندوبات، لكن الذي سلمت له فريضته، وأدركها من أولها من أين جاءه هذا؟ من كونه حافظ على المندوب. فهذه الكلمة من الشاطبي -رحمه الله- هي درس تربوي يجب أن يعيه كل مسلم، وهو أن المندوبات تعتبر خادمًا للواجبات، وهذا -يا إخوان- بالنسبة لدار الدنيا، أما بالنسبة للدار الآخرة: إذ كما ورد في الحديث الصحيح الذي أخرجه الترمذي -وهو حديث صحيح- أن الفرائض يوم القيامة تكمَّل نواقصها من النوافل، وأنه أول ما يُبدأ بالصلاة، وكما ورد في الحديث قال: [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]</A> -يعني- نواقص الصيام من نفل الصيام، ونواقص الصلاة كذلك، ونواقص الحج كذلك. فلعله اتضح لنا -بهذا- معنى قول الشاطبي: "إن المندوب خادم للواجب". - المسألة الثانية: أن المكروه الذي أمر به الشرع لا على وجه الإلزام، وتركه خير من فعله. هذا اصطلاح للمتأخرين الأصوليين، وإلا فإن معظم المتقدين، ولا سيما الإمام أحمد -رحمه الله-، الشافعي -رحمه الله- كما ذكر ابن القيم رحمه الله في أوائل الجزء الأول من إعلام الموقعين -أنهم لا يعرفون المكروه بمعنى كراهة التنزيه، إنما إذا أطلقوه المكروه أرادوا به المحرم.
المكروه يعني ما نهى عنه لا على وجه الإلزام -طيب- فابن القيم يقول: "إن متأخري هؤلاء الأئمة غلطوا على أئمتهم، فراحوا يفسرون الكراهة في كلام أئمتهم بالاصطلاح الأصولي المتأخر". ولا ريب أن الدافع لمثل الإمام أحمد -رحمه الله- على أن يعبر عن المحرم بالمكروه بأكره -هو الورع، امتثالًا لقول الله تعالى: وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ </A> ولهذا ينبغي التوقي؛ لأن العلماء القدامى إذا عبروا بالمكروه أنه لا يفسر في كلامهم -بالمعنى الاصطلاحي- عند الأصوليين إلا إذا وجد أدلة تدل على ذلك؛ ولهذا الإمام أحمد ورد عنه أنه قال: "أكره أن يتوضأ في آنية الذهب والفضة" ولا ريب أن الكراهة -هذه- كراهة تحريم؛ لأن الدليل واضح في هذا، في النهي، على الخلاف عند العلماء في موضوع استعمال أواني الذهب والفضة في الأكل والشرب وغيرهما، أو أنه مقصور على الأكل والشرب، هذه المسألة مسألة أخرى.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
بعد هذا الشيخ -رحمه الله- انتقل إلى تقسيم واحد من تقسيمات الواجب، وهو تقسيم الواجب باعتبار الفاعل، الواجب باعتبار الفاعل قسمان: فرض عين، وفرض كفاية.
فرض العين: ما طلب من كل مكلف بعينه. بحيث إن غيره لا يقوم مقامه؛ ولهذا سمي فرض عين؛ لأنه متعلق بعين المكلف نفسه وذاته، هذا واضح مثل: الطهارة والصلاة الصيام، وغير ذلك من فروض الأعيان. الثاني هو: فرض الكفاية، فرض الكفاية لا يعني أن يكون الفاعل زيدًا أو عمرًا، إنما الذي يعني -في نظر الشرع- هو حصول الفعل من أي شخص كان، المهم الفعل لا بد أن يحصل؛ ولهذا سمي فرض كفاية؛ لأن قيام البعض به يكفي، يكفي في إيه؟ يكفي في حصول الفعل من جانب وسقوط الإثم عن الباقين من جانب آخر. لكن من المثاب؟ المثاب هو الفاعل. فالذي يقوم بفروض الكفايات هو الذي يثاب، أما البقية فغاية ما يتعلق بهم أنه يسقط عنهم الإثم. وفروض الكفايات كثيرة، مثل لها الشيخ بعض الأمثلة: كتعلم العلوم والصناعات النافعة، والأذان، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والقضاء، تغسيل الموتى، تكفينهم، والفتوى، كل هذه من فروض الكفايات إذا قام به من يتأدى به الفرض كفى: إذا وجد أناس يغسلون الموتى ما يلزم أن البقية يطالبون، إذا وجد من يقوم بالفتوى كذلك، إذا وجد من يتولى القضاء كذلك. لكن ينبغي أن نعلم مسألة وهي: أن فرض الكفاية قد يكون فرض عين، ومتى؟ إذا تعين المطلوب في حق شخص معين. إذا لم يوجد في البلد إلا قاضٍ واحد صار القضاء بالنسبة له فرض عين، لو -مثلًا- غرق إنسان في ماء، وفيه عشرة أشخاص موجودون، ولكن لا يحسن السباحة إلا واحد يكون إنقاذ الغريق في حقه فرض عين؛ ما يقول: لا، كل واحد منكم، هذا فرض كفاية. تقول: لا، صار الآن فرض عين. مثلًا: مريض ذهبنا به إلى المستشفى، إلى الإسعاف، إذا كان في قسم الإسعاف ثلاثة أطباء: حكم إسعاف المريض فرض كفاية، إذا أسعفه واحد انتهى أمر الباقين. لكن لو فرض أن الطبيب المناوب... ما فيه إلا طبيب واحد مناوب، ماذا يكون حكم الإسعاف في حقه؟ يكون فرض عين. إذن فروض الكفايات قد تكون فرض عين إذا تعين المطلوب على شخص معين.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
وهذه الأحكام الخمسة تتفاوت تفاوتًا كثيرًا بحسب حالها ومراتبها وآثارها. هذه نقطة مهمة جدًا، وكما قلت لكم في أول الكلام، وسترون في النهاية -إن شاء الله- أن من ميزات هذه الرسالة: عناية الشيخ بإيه؟ بالضوابط هه والتقعيد: القاعدة أن الواجبات تتفاوت مراتبها وآثارها. فالواجبات ليست على درجة واحدة: الصلاة والصيام والزكاة والحج، ثم باقي الواجبات من الصدق، بر الوالدين، صلة الأرحام، فعل المعروف، إلى غير ذلك، فالواجبات درجاتها مختلفة. لكن ما الذي يعنينا من هذا؟ الذي يعنينا من هذا أمران، نبه عليهما شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم: الأمر الأول: أن تفاوت الواجبات، يعني تفاوتها في الثواب والعقاب، يعني تفاوتها في الثواب والأجر؛ لأن من الواجبات ما يكون ثوابه وأجره على حسب مصلحته ومنفعته. الأمر الثاني: أنه إذا كانت الواجبات تتفاوت فإن الذي ينبغي على المكلف -كما يقول ابن القيم في مدارج السالكين- أن يعنى المكلف بأفضل الواجبات، وأكملها وأتمها. يعني يكون دائمًا مسارعًا إلى الأكمل والأفضل. لكن -وهذه لعلكم تجعلونها نقطة ثالثة-: تفاوت هذه الواجبات يختلف بحسب الأحوال والأشخاص والأوقات، من أمثلة ذلك: النبي -صلى الله عليه وسلم- يعني- بيَّن لنا أن الأعمال الصالحة فاضلة في عشر ذي الحجة، كما في الحديث الصحيح ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام </A> -يعني أيام العشر- ولا ريب أن الأعمال الصالحة في أيام العشر منها واجبات، ففضلت الأيام على الجهاد في سبيل الله لشرف الزمان. عندك -مثلًا- الأذكار التي بعد الصلاة، لو إنسان بعد أن انصرف من الصلاة، أخذ المصحف، وبدأ يقرأ. لا ريب أن كلام الله أفضل الكلام، ولكن عمله هذا فاضل أم مفضول؟ مفضول؛ ترك الفاضل. فالذكر في وقته أفضل من تلاوة القرآن. طيب، لو فرضنا أن إنسانًا نزل به ضيف، وهو جالس يقرأ ورده. العلماء يقولون: قيامه وإكرامه للضيف أفضل من كونه يكمل ورده. إذن صارت الأعمال تتفاضل على حسب الأحوال والأشخاص والأوقات. </FONT></FONT>
|
| |
|