سفيان الثوري عـضـو متألــق
عدد الرسائل : 148 المدينة : الفنيدق تاريخ التسجيل : 09/08/2009
| موضوع: امام السنة الخميس 27 أغسطس - 12:54 | |
| سيرة الإمام أحمد بن حنبل وقفات وعبروعجائب اسمه ومولده : ــ هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني ، أصله من البصرة ، ولد عام ( 164 ) هـ ، في بغداد وتوفي والده وهو صغير ، فنشأ يتيماً ، وتولَّت رعايته أمه .
وقفة : اليتيم قد يكون ناجـحـاً في حياته : ــ نشأ الإمام أحمد ــ رحمه اللهــ في طلب العلم ، وبدأ في طلب الحديث وعمرهُ خمس عشرة سنة ، ورحل للعلم وعمرهُعشرون سنة ، والـتقى بعدد من العلماء منهم : الشافعي في مكة ، ويحيى القطَّان ،ويزيد بن هارون في البصرة . ورحل من العراق إلى اليمن مع يحيى بن مُعين ، فلمَّاوصلا إلى مكة وجدا عبد الرزاق الصنعاني أحد العلماء في اليمن ، فقال يحيى بن معينيا إمام يا أحمد : نحنُ الآن وجدنا الإمام ، ليس هناك ضرورة في أن نذهب إلى اليمن ،فقال الإمام أحمد : أنا نويت أن أُسافر إلى اليمن ، ثم رجع عبد الرزاق إلى اليمنولَحِقـا به إلى اليمن ، وبَقِيَ الإمام أحمد في اليمن عشرة أشهر ، ثم رجع مشياًعلى الأقدام إلى العراق . فلمَّا رجعرأوا عليه آثار التعب والسفر فقالوا له : ما الذي أصابك ؟ فقال الإمام أحمد : يهونهذا فيما استفدنا من عبد الرزاق .
* مِنْ عُلوا الهمَّـة عند الإمامأحمد وهو صغير ، يقول : ربما أردتُ الذهاب مبكراً في طلب الحديث قبل صلاة الفجر ،فتأخذ أمي بثوبي وتقول : حتى يؤذِّن المؤذِّن .
ثـناءالعلمـاء على الإمـام أحمـد : * قال عبد الرزاق شيخ الإمام أحمد : ما رأيت أحداً أفْـقَـه ولا أوْرع من أحمد. * قالوا : إذا رأيتَ الرجل يحبُالإمام أحمد فاعلم أنَّـه صاحب سنة . * قال الشافعي وهو من شيوخ الإمام أحمد : خرجتُ من بغداد فما خلَّفتُ بها رجلاً أفضل ولا أعلم ولا أفْـقَـه من أحمد بنحنبل. * قال يحيى بن معين : أراد الناس أن يكونوا مثـل أحمد بن حنبل ! لا والله، ما نقوى على ما يقوى عليه أحمد ، ولا على طريقة أحمد .
* كان الإمام أحمديحفظ ( ألف ألف ) حديث ، يعني ( مليون ) حديث . أي مجموع الروايات والأسانيد والطرقللأحاديث . * مِنْ حِفْـظِ الإمام أحمد للحديث كان يقول لابنـه : اقرأ عليَّالحديث وأُخبركُ بالسند ، أو اقرأ عليَّ الإسناد لأخبرك بالحديث .
عِفَّـة الإمـام أحمـد :* لمَّا رحل لطلب العلم لم يكن لديه مال، فـكان يحمل البضائع على الجمال وعلى الحمير فيأخذ من هذا درهم ومن هذا درهم ،فيعيش بهذه الدراهم ، وفي الصباح يطلب العلم حتى يستغني عن سؤال الناس .
كانالإمـام أحمد يكره الشُهرة والثناء : * دخل عليه عمُّـهُ وكان الإمامأحمد حزين ، فقال عمُّـهُ : ماذا بك ؟ فقال الإمام أحمد : طُوبى لِمَنْ أخْمَدالله ذكره ، يعني من لم يكن مشهوراً ، ولا يعلم به إلاَّ اللـه .
* وقالأيضاً : أريدُ أنْ أكونَ في شِعْبِ مكـة حتى لا أُعْـرَفْ . * وكان إذا أرادأنْ يمشي يكره أن يتبعه أحدٌ من الناس . العمل بالعلم : * قال الإمام أحمد ما كتبتُ حديثـاًإلاَّ وقد عملتُ بـه , حتى أنَّ النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ احْـتَـجَـمَ وأعطىالحجَّامَ أجره ، فاحْـتَـجَـمَ الإمام أحمد وأعطى الحجَّام أجره .
أخلاق الإمـام أحمـد وآدابه : * كان يحضر مجلس الإمام أحمد خمسةآلاف طالب ، ( 5000 ) كانوا يكـتبون العلم ، والبقية ينظرون إلى أدبه وأخلاقهوسَمْتِـهِ .
* قال يحيى بن معين : ما رأيتُ مثـل أحمد ، صحبناه خمسين سنةفما افـتخر علينا بشيء ممَّا كان فيه من الخير . * كان الإمام أحمد مائلاً إلىالفقـراء ، وكان فيه حِلْمْ ، ولم يكن بالعجول ، وكان كثير التواضع ، وكانت تعلوهالسكينة والوقار . * قال رجل للإمام أحمد : جزاك الله عن الإسلام خيراً ، فقالالإمام أحمد : بل جزى الله الإسلام عني خيراً ، مَنْ أنا ؟ وما أنا ؟ * كانالإمام أحمد شديد الحياء ، وأكرم الناس ، وأحسنهم عِشْرةً وأدباً ، لمْ يُسمع عنهإلاَّ المُذاكرة للحديث ، وذِكْر الصالحين ، وكان عليه وقارٌ وسكينة ، ولفْـظٌحَسَنْ .
عبادة الإمـام أحمـد بن حنبل : * كان يُصلِّي في اليوم والليلة ( 300 ) ركعـة ، فلمَّا سُجِنَ وضُرِبْ أصْـبَحَ لا يستطيع أنْ يُصلِّي إلاَّ ( 150 ) ركعة فـقـط . * كان يَـخْـتِمُ القرآن كُلَّ أُسبوع .* قال أحدُهُمْ : كُنْتُ أعرفُ أحمد بنحنبل وهو غُـلام كان يُحيي الليل بالصلاة . * كان مِنْ عِبادته وزُهده وخوفه ،إذا ذَكَـرَ الموت خَـنَـقَـتْـهُ العَبْرة . * كان يقول : الخوف يمنعني الطعاموالشراب ، وإذا ذكرتُ الموت هانَ عليَّ كُلُّ أمْـرِ الدنيا .* كان يصوم الإثـنين والخميس والأيامالبيض ، فلمَّا رَجَعَ مِنْ السجن مُجْهَداً أَدْمَنَ الصيام حتى مات . * حَجَّعلى قَدَميـه مرتين . * في مَرَضِ الموت بَالَ دَمَـاً كثيراً ، فقال الطبيبالمُشْرف عليه : هذا رجُـلٌ قد فَـتَّتَ الخوف قلبـه . أخبـار منوعـة فيسيـرته : * قابل الإمام أحمد بن حنبل أحدْأبناء الإمام الشافعي فقال الإمام أحمد لابن الشافعي : أبُوكَ مِنَ السِّـتة الذينَأدْعُـوا لهم في السَّحَـرْ .* قيل للإمام أحمد : كَمْ يكْفيالرجل حتى يُـفْـتِي ؟ مئـة ألف حديث ؟ قال الإمام أحمد : لا . قال السائل : مائـتين ألف حديث ؟ قال الإمام أحمد : لا . قال السائل : ثـلاثمائـة ألفحديث ؟ قال الإمام أحمد : لا . قال السائل : أربعمائـة ألف حديث ؟ قالالإمام أحمد : لا . قال السائل : خمسمائـة ألف حديث ؟ قال الإمام أحمد : أَرْجُـوا .
حياته الزوجية : تزوَّجَ وعُمْـرهُ أربعون سنة ،يقول عن زوجـتـه : مكـثـنا عِشرينَ سنة ما اختلفنا في كلمةٍ واحدة .
الفتنة التي تعرَّضَ لها الإمـام أحمـد : لمَّا دعا المأمون الناس إلى القولبخلق القرآن ، أجابه أكثر العلماء والقضاة مُكْرهين ، واستمر الإمام أحمد ونفرٌقليل على حمل راية السنة ، والدفاع عن معتقد أهل السنة والجماعة . قال أبو جعفرالأنباري : لمَّا حُمِلَ الإمام أحمد بن حنبل إلى المأمون أُخْبِرتُ فعبرتُ الفُرات، فإذا هو جالس في الخان ، فسلمتُ عليه ، فقال : يا أبا جعفر تعنَّيْت ؟ فقلتُ : ليس هذا عناء .
وقلتُ له : يا هذا أنت اليوم رأس الناس، والناس يقتدون بكم، فو الله لئن أجبتَ ليُجيبُنَّ بإجابتك خلقٌ كثير منخلقِ الله تعالى ، وإنْ أنتَ لم تُجِبْ ليمتنِعُنَّ خلقٌ مِنَ الناس كثير ، ومع هذافإنَّ الرجل إنْ لم يقتلك فإنَّك تموت ، ولابدَّ مِنْ الموت ، فاتَّـقِ الله ولاتُجيبهم إلى شيء . فجعل أحمد يبكيويقول : ما شاء الله ، ما شاء الله. ثم سار أحمد إلى المأمون فبلغه توعدالخليفة له بالقتل إنْ لم يُجبه إلى القول بخلقِ القرآن ، فـتوجه الإمام أحمدبالدعاء إلى الله تعالى أنْ لا يجمع بـيـنه وبين الخليفة ، فبينما هو في الطريق قبلوصوله إلى الخليفة إذ جاءه الخبر بموت المأمون ، فَرُدَّ الإمام أحمد إلى بغدادوحُبِس ، ثم تولَّى الخلافة المعتصم ، فامتحن الإمام أحمد . وكان مِنْ خبر المحنـة أنَّ المعتصملمَّا قصد إحضار الإمام أحمد ازدحم الناس على بابه كيوم العيد ، وبُسِطَ بمجلسهبساطاً ، ونُصِبَ كرسيـاً جلس عليه ، ثم قال : أحضروا أحمد بن حنبل ، فأحضروه ،فلمَّا وقف بين يديه سَلَّمَ عليه ، فقال له : يا أحمد تكلم ولا تَـخَـفْ ،فقال الإمام أحمد : والله لقد دخلتُ عليك وما في قلبي مثـقالحـبَّـةٍ من الفزع ، فقال له المعتصم : ما تقول في القرآن ؟ فقال : كلامالله قديم غير مخلوق ، قال الله تعالى : { وَإنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكينَاسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ } [ التوبة : 6 ] فقال له : عندك حجة غير هذا ؟ فقال : نعم ، قول الله تعالى : { الرَّحْمَنْ * عَلَّمَ القُرْآنْ }. [ الرحمن : 1 ، 2 ] ، ولم يقـل : الرحمن خلق القرآن ، وقوله تعالى : { يس * والقُـرْآنِ الْحَكِيم } [ يس : 1 ، 2 ] ، ولم يقـل : يس والقرآن المخلوق . فقال المعتصم : احبسوه ،فحُبِسَ وتفرَّقَ الناس . فلمَّا كانمِنَ الغد جلس المعتصم مجلسه على كرسيه وقال : هاتوا أحمد بن حنبل ، فاجتمعالناس، وسُمعت لهم ضجة في بغداد ، فلمَّا جيء به وقف بين يديه والسيوف قدجُردت ، والرماح قد ركزت ، والأتراس قد نُصبت ، والسياط قد طرحت ، فسأله المعتصمعمَّا يقول في القرآن ؟ قال : أقول : غير مخلوق . وأحضر المعتصم له الفقهاء والقضاةفناظروه بحضرته في مدة ثلاثة أيام ، وهو يناظرهم ويظهر عليهم بالحُجج القاطعة ،ويقول : أنا رجـل عَلِمتُ علماً ولم أعلم فيه بهذا ، أعطوني شيئاً من كتاب اللهوسنة رسوله ــ صلى الله عليه وسلم ــ حتى أقول به . وكلما ناظروه وألزموهالقول بخلق القرآن يقول لهم : كيف أقول ما لم يُقـل ؟ فقال المعتصم : قهرنا أحمد . وكان من المتعصبينعليه محمد بن عبد الملك الزيات وزير المعتصم ، وأحمد بن دُوَاد القاضي ، وبشرالمريسي ، وكانوا معتزلة قالوا بخلق القرآن ، فقال ابن دُوَاد وبشر للخليفة : اقـتله حتى نستريح منه ، هذا كافر مُضِـل .فقال : إني عاهدتُ الله ألا أقـتلهبسيف ولا آمر بقـتله بسيف ، فقالا له : اضربه بالسياط ، فقال المعتصم له : وقرابتيمن رسول الله ــ صلَّى الله عليه وسلم ــ لأضربنَّك بالسياط أو تقول كما أقول ،فلم يُرهبه ذلك ، فقال المعتصم: أحضروا الجلادين ، فقال المعتصم لواحد منهم : بكمسوطٍ تـقـتله ؟قال : بعشرة ، قال : خذه إليك ،فأُخْرِجَ الإمام أحمد من أثوابه ، وشُدَّ في يديه حبلان جديدان ، ولمَّا جيءبالسياط فنظر إليها المعتصم قال : ائـتوني بغيرها ، ثم قال للجلادين : تقدموا ،فلمَّا ضُرِبَ سوطاً..قال : بسم الله ، فلمَّا ضُرِبَ الثانيقال : لا حول ولا قوةً إلاَّ بالله ، فلمَّا ضُرِبَ الثالث قال : القرآن كلام اللهغير مخلوق ، فلمَّا ضُرِبَ الرابع قال : { قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إلاَّ مَا كَتَبَاللهُ لَنَا } [ التوبة : 51 ] . وجعل الرجل يتقدَّم إلى الإمام أحمدفيضربه سوطين ، فيحرضه المعتصم على التشديد في الضرب ، ثم يـتنحَّى ، ثم يتقدَّمالآخر فيضربه سوطين ، فلمَّا ضُرِبَ تسعة عشر سوطاً قام إليه المعتصم فقال له : ياأحمد علام تقتـل نفسك ؟ إني والله عليك لشفيق .
قال أحمد : فجعل عجيفينخسني بقائمة سيفه وقال : تريد أنْ تغلب هؤلاء كلهم ؟ وجعل بعضهم يقول : ويلك ! الخليفة على رأسك قائم ، وقال بعضهم : يا أمير المؤمنين دمه في عنقي اقـتله ،وجعلوا يقولون : يا أمير المؤمنين : إنه صائم وأنت في الشمس قائم ، فقال لي : ويحكيا أحمد ما تقول ؟فأقول : أعطوني شيئاً من كتاب الله وسنةرسوله ــ صلَّى الله عليه وسلم ــ حتى أقول به. ثم رجع الخليفة فجلس ثم قال للجلاد : تقدمَّ ، وحَرَّضه على إيجاعه بالضرب . قال الإمام أحمد : فذهب عقلي ،فأفقت بعد ذلك ، فإذا الأقياد قد أُطلِقت عنِّي ، فأتوني بسويق فقالوا لي : اشربوتـقيأ ، فقلت : لستُ أُفطر ، ثم جيء بي إلى دار إسحاق بن إبراهيم ، فحضرتُ صلاةالظهر ، فـتقدَّم ابن سماعة فصلى ، فلمَّا انفـتل من الصلاة قال لي : صليتَ والدمُيسيل في ثوبك ، فقلت له : قد صلَّى عمر ــ رضي الله عنه ــ وجرحه يسيل دمـاً . ولمَّا ولِّيَالواثق بعد المعتصم ، لم يتعرض للإمام أحمد بن حنبل في شيء إلاَّ أنَّـه بعث عليهيقول : لا تساكنِّي بأرضٍ ، وقيل : أمره أنْ لا يخرج من بيتـه ، فصار الإمامأحمد يختفي في الأماكن ، ثم صار إلى منزله فاختـفى فيه عدة أشهر إلى أنْ مات الواثق . وبعد ذلكتولَّى الخلافة المتوكل بعد الواثق ، فقد خالف ما كان عليه المأمون والمعتصموالواثق من الاعتقاد ، وطعن عليهم فيما كانوا يقولونه من خلق القرآن ، ونهى عنالجدال والمناظرة في الأداء ،وعاقب عليه ، وأمر بإظهار الرواية للحديث ،فأظهر الله به السُـنَّـة ، وأمات به البدعة ، وكشف عن الخلق تلك الغُمَّـة ، وأناربه تلك الظُلمة ، وأطلق من كان اعـتُـقِـلَ بسبب القول بخلق القرآن ، ورفع المحنـةعن الناس .
* قال أحد الجلادين بعد أن تاب : لقد ضربتالإمام أحمد ( 80 ) جلدة ، لو ضربـتُها في فيل لسقـط .
فَرَحِمَاللهُ هذا الإمام الجليل أحمد بن حنبل ، الذي ابتُـليَ بالضرَّاء فصبر ، وبالسرَّاءفشكر ، ووقف هذا الموقف الإيماني كأنـه جبلٌ شامخ ، تـتكسَّرُ عليه المِحَنْ ،وضَرَبَ لنا مثـلاً في الثبات علـى الحـق … | |
|