بَربِّكَ هل أبصَرتَ أسخفَ مِن عَقلِي وهل فوقَ وجهِ الأرضِ مِن أحمَقٍ مِثلي
وكم أدَّعي عِلما وحُسنَ ثقافَةٍ وما جاهلٌ إلا ومِن فوقِه جَهلي
وأرمي بنَفسي في صفُوفِ أراذِلٍ ولستُ لهم شكلاً وليسوا على شكلِي
وقضَّيتُ عُمري هَكذا في تَناقُضٍ فَفي الهزلِ ذو جدٍّ وفي الجِدِّ ذو هَزل
وكم مرَّ يومٌ كِدتَ تُبصِرني به وجِسمي بلا ثوبٍ ورجِلي بلا نَعل
وبينَا يَزيدُ الأمرُ بي في اشتِدَادِه وعندَ اشتِدادِ الأمرِ لَم تَلقَ مِن خِل
إذا بِي أرَى ثغرَ المُنَى مُتَبسِّما وقد لاَح فجرُ السَّعدِ في غَسَقِ الهولِ
فأنسَى الذي قد مرَّ بي مِن خصَاصةٍ وأبذُلُ في زَهوٍ وأُسرِفُ في البَذل
ورُبَّتَما أفنيتُ ذاك ولم تَزَل ثِيابي كما كانت ونَعلاَىَ في رِجِلي
أمَا هذِه الأخلاقُ غيرُ حَماقَةٍ يؤيدها العقل السليم من الخبل
نعم أنا ذو فضل فغطته سيرتي فمَا أنا ذو فَضلٍ وإن كنتُ ذَا فضلِ
وإن مرَّ وجهٌ مُشرقٌ ورَأيتُه يطيرُ اشتياقاً عندَ رُؤيتِه عَقلِي
ويذهبُ طرفي في تعقُّب خَطوِه وإن كنتُ في شُغلٍ فيا ضَيعةَ الشُّغلِ
وترتَاحُ نفسِي إن أكُن قد عرَفتُه وإلاَّ فإِني في التِفَاتٍ وفي سُؤلٍ
وأغضَبُ حتى أَستحيلَ جَهنَّما وأحلُمُ حتى أبدِلَ العِزَّ بالذُّل
قضَى الله أن أبقَى فريدا بِلا أبٍ حَنونٍ ولا أُمٍّ شفُوقٍ ولا أهلِ
غَريباً وإن في مسقِطِ الرَّأسِ مَسكَنِي وَحديا وإن كانت أخِلاَّىَ كالنَمل
وعَربدَتي في الشُّربِ تُرغمُ مُبصِري لِيخلِدَ في عَينيهِ لي نظرةَ الذُّل
وأغدُو إلى فِعلِ المعَاصِي مُهَروِلاً وإن أقصِدِ الطاعَاتِ فالقَيدُ في رِجلِي
فلا عِيشَةٌ تُرضَى ولا كَسبُ طاعَةٍ فلا أكثرَ الرحمانُ في خَلِقه مِثلي