الجنة لمن عشق وعف
أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بدمشق قال: حدثنا أبو الحسن علي بن أيوب بن الحسين بن أيوب
القمي إملاء قال: حدثنا أبو عبيد الله المرزباني وأبو عمرو بن حيويه وأبو بكر بن شاذان قالوا: حدثنا
أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة النحوي الملقب بنفطويه قال:
دخلت على محمد بن داود الأصبهاني في مرضه الذي مات فيه، فقلت له: كيف تجدك؟ فقال: حبُّ
من تعلم أورثني ما ترى.
فقلت: ما منعك عن الاستمتاع به مع القدرة عليه؟
فقال: الاستمتاع على وجهين، أحدهما النظر المباح، والثاني اللذة المحظورة، فأما النظر المباح
فأورثني ما ترى، وأما اللذة المحظورة فإنه منعني منها ما حدثني أبي قال:
حدثنا سويد بن سعيد قال: حدثنا علي بن مسهر عن أبي يحيى القتات عن مجاهد عن ابن عباس
عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: من عشق وكتم وعف وصبر غفر الله له وأدخله الجنة، ثم
أنشدنا لنفسه:
انظُرْ إلى السّحرِ يجري في لَوَاحظِه، وانظر إلى دَعَجٍ في طرفِهِ الساجي.
وانظر إلى شَعَراتٍ فوقَ عارِضِه كأنّهُنّ نِمالٌ دَبّ في عاجِ.
وأنشدنا لنفسه: ما لَهُم أنكرُوا سواداً بخدّي ه، ولا يُنْكِرُونَ وَرْدَ الغُصُونِ.
إنْ يَكُنْ عَيْبُ خدّه بُدَدَ الشَّعْ رِ، فَعَيْبُ العيونِ شعرُ الجُفونِ.
فقلت له: نفيت القياس في الفقه، وأثبته في الشعر. فقال: غلبة الهوى، وملكة النفوس دعتا إليه.
قال: ومات في ليلته أو في اليوم الثاني.
لا تَعْذُليهِ، فإنّ العَذلَ يولِعُهُ قد قلتِ حقّاً، ولكن ليس يسمعُهُ.
جاوَزْتِ في نُصْحِهِ حدّاً أضرّ بِهِ من حيثُ قَدّرْتِ أن النصْحَ ينفعه.
قد كان مضطلِعاً بالحَطْبِ يحمِلُه، فضُلّعَتْ بخطوب البَينِ أضلُعه.
ما آبَ مِن سفرٍ إلا وأزْعَجَهُ عزْمٌ إلى سَفَرٍ بالرُّغْمِ يُزْمِعُه.
كَأنّما هُوَ في حلّ وَمُرْتَحَلٍ مُوَكَّلٌ بِقَضَاءِ اللهِ يَذرعه.
أستَوْدعُ الله، في بغداد، لي قمراً بالكَرْخِ من فَلَكِ الأزْرَارِ مَطلعُه.
وكم تَشَفّعَ بي أن لا أُفَارِقَهُ، وللضّرُوراتِ حالٌ لا تُشَفِّعُه.
وكم تَشبّثَ بي يوْمَ الرّحيل ضُحى، وأدمُعي مُسْتَهِلاّتٌ وأدمُعُه.
أُعْطيتُ ملكاً فلمْ أُحسِن سياستَه، وكلُّ مَن لا يسُوسُ المُلكَ يخلعُه.
ومَن غدا لابساً ثوْبَ النّعيمِ بِلا شكرٍ عليه، فعنهُ اللهُ ينْزِعُه.
قال لنا أبو الحسين محمد بن علي بن الجاز وزادني أبو علي الحسن بن علي المتصوف:
والحِرْصُ في المرْء، والأرْزَاق قد قسمتْ، بَغيٌ، ألا إنّ بغيَ المرء يصرَعُه.
لو أنني لم تقع عيني على بلد في سفرتي هذه إلا وأقطعه.
اعتضتُ من وجه خِلّي، بعد فِرْقَتِهِ، كأساً تَجَرّعَ مِنها ما أُجَرَّعُه.