الأبيض
أتى لفظ " الأَبْيَضُ " في موضع واحد من القرآن الكريم في سورة البقرة في قوله تعالى:
"....وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ...... " ( البقرة 187 )
وتفسير رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلمة الأبيض هنا أي بياض النهار والخيط عبارة عن اللون.[5]
وقد أتى لفظ " بَيْضٌ " في سورة الصافات حيث وصف الله تعالى نساء أهل الجنة بأحسن ألوان النساء وذلك في قوله عز وجل:" كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ " ( الصافات 49 )
وقد جاء في التفسير أي أبيض في صفرة وهو أحسن ألوان النساء، وفي هذا وصفهن بترافة الأبدان بأحسن الألوان، ومكنون يعني محصون لم تمسه الأيدي [6]. إلا أن الباحث يرى أن المعنى الأقرب هو وصفهن بالرقة والضعف مثل البيض الذي أتى أسمه من وصفه أي لونه الأبيض.
وأتى أيضاً لفظ " بِيضٌ " في سورة فاطر لقوله عز وجل:" ألَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُود "ٌ ( فاطر 27 )
أي وخلق الجبال كذلك مختلفة الألوان كما هو المشاهد أيضاً من بيض وحمر[7].
أما لفظ " بَيْضَاء " فقد ورد في ستة مواضع، اثنتين منها قال الله تعالى: " بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ "، وذلك في سورة الأعراف، وفي سورة الشعراء ،ووردت كما يلي:
" وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ " (الأعراف 108)
" وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ " ( الشعراء 33 )
وثلاث منها قال الله تعالى فيها " بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ " وذلك في سور النمل، طه، القصص وأتت كالتالي:
" وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ " ( النمل 12 )
" وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى " ( طه22)
" اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ " (القصص 32 )
وأتى اللفظ كآية ودليل باهر على قدرة الله تعالى حيث أمر سيدنا " موسى " ـ وكان أسمر شديد السمرة[8] ـ أمره أن يدخل يده في جيبه، فإذا أدخلها وأخرجها خرجت بيضاء ساطعة كأنها قطعة من القمر لها لمعان تتلألأ كالبرق الخاطف من دون ضرر أو سوء ناتج عن أي مرض [9]. كناية عن النقاء.
وفي الموضع السادس وصف الله تعالى في سورة الصافات خمر الجنة بأنها خمر جارية بيضاء أي أن لونها مشرق [10] كما يظهر في هذه الآية صورة جمالية رائعة حيث شبه الله الكأس - لجماله وصفائه- عندما يحتوي على شراب طاهر فيه لذة للشاربين. حيث قال عز وجل: " بَيْضَاء لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ " (الصافات 46 ).
وقد ورد لفظ " ابْيَضَّتْ " في موضعين من القرآن الكريم الأول في سورة آل عمران في قوله تعالى: " وأما الذين ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ " ( آل عمران 107 )
وتعنى أهل طاعة الله عز وجل والوفاء بعهده [11]، والموضع الثاني في سورة يوسف آية 84 في قوله تعالى:" وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفي عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ " ( يوسف 84 )
أي انمحق سوادهما وبدل بياضاً من بكائه [12]، ليدلل على أن اللون الأبيض هو مضاد اللون الأسود. ويرتبط البياض هنا في سورة يوسف ـ على عكس باقي الآيات السابقة ـ بأمر مكروه وهو الضعف الشديد للعينين أو العمى نتيجة الحزن الشديد .
وأتى لفظ " تَبْيَضُّ " مرة واحدة في سورة آل عمران آية 106 بما تعني إشارة إلى النقاء والطهارة والصلاح حيث قال تعالى:
" يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ" ( آل عمران 106 )
يعني يوم القيامة حين تبيض وجوه أهل السنة والجماعة [13].
" الأسود "
ذكر لفظ الأسود ومشتقاته سبع مرات في ست آيات، منها مرتان جاءت لتعبر عن كنه اللون الأسود وقد وردت كما يلي:
" .. وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ......" ( البقرة 187 )
" أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ " ( فاطر 27 )
كما جاء ذكر مشتقات لفظ الأسود خمس مرات لتعبر عن وصف المكذبون من الكفار والمنافقين بأن وُجُوهُهُم مُّسْودَةٌ، وهذا تعبيراً معنوياً دلالته أن لفظ الأسود جاء ليعبرعن الحزن الشديد. وعن مدى قتامته وعلى أنه عكس الأبيض. وجاء لفظ غرابيب مع لفظ سود ليوضح شدة درجة السواد، [14] وقد وردت الآيات كما يلي:
" يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ "( آل عمران 106 )
" وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثوىً لِّلْمُتَكَبِّرِينَ " ( الزمر 60 )
" وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ " ( النحل 58 )
" وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ " ( الزخرف 17 )
ومما سبق يتضح أن البياض هو قمة الصفاء والنقاء والوضوح، والسواد هو قمة القتامة والإعتام، وهما يتتابعان في آية واحدة للتعبير عن التباين الشديد بين لونين متناقضين أقصى التناقض لإبراز المعنى. ويستعمل الأبيض في الطهر والقبول عند الله، إن المؤمنين سينالون الرحمة وهم فيها خالدون.
اللون الأصفر
جاء ذكر لفظ " صَفْرَاء " مرة واحدة كما جاء ذكر مشتقات اللفظ في ثلاثة مواضع من القرآن الكريم معبرة جميعها عن اللون الأصفر ودرجاته، فقد ذكر لفظ " صَفْرَاء " مرة واحدة في سورة البقرة، وذلك في وصفه للبقرة بقوله سبحانه وتعالى: " قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاء فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ بأنها " ( البقرة 69 )
وقد يتبادر إلى الذهن أن " الفاقع " هو صفة للون الذي يثير العين كما هو دارج بالنسبة للفظ " فاقع " وهو الأمر الذي أثار في الباحث التساؤل حول ما آل إليه علماء علم النفس بأن اللون الأصفر المخلوط بالأبيض يعتبر مريحاً للنظر ومهدئاً للأعصاب ويكسب النفس السرور، ولذلك يستخدم في طلاء غرف المرضى النفسيين، أما اللون الأصفر الساطع أو بالمفهوم الدارج " الأصفر الفاقع " فهو مثير للعين وغير مريح، وهنا يأتي اللبس بين ما نفهمه من القرآن الكريم وبين ما هو مثبت علمياً، وكانت هذه هي نقطة البدء في هذا البحث، وعند البحث في المراجع العربية وعديد من تفاسير القرآن الكريم فقد أجمع جمهور المفسرين في قوله عز وجل: " صَفْرَاء " أي أنها صفراء اللون من الصفرة المعروفة و" فَاقِعٌ لَّوْنُهَا " أي صافية اللون من شدتها. وقد ذكر القرطبي عن ابن عباس " فَاقِعٌ لَّوْنُهَا " أي شديدة الصفرة تكاد من صفرتها تبيض لتسر الناظرين دلالة على جمالها وتألقها وحيويتها وذلك في عبارة موجزة بليغة . وقال علي بن اأبي طالب رضي الله عنه:من لبس نعلي أصفر قل همه، لأن الله تعالى يقول: " ...... بَقَرَةٌ صَفْرَاء فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ "
وقد جاء ذكر لفظ " مصفراً " في ثلاثة مواضع من القرآن الكريم وأتت جميعها في كأمثلة يضربها الله تعالى للحياة الدنيا حين ينزل الله من السماء ماءً وينبت به ثماراً و زرعاً يانعاً، ثم يجف ويصبح مصفراً، ثم يكون بعد ذلك حطاماً. ففي الموضع الأول في سورة الروم حيث يذكر المولى عز وجل:
" وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَّظَلُّوا مِن بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ " ( الروم 51 )
وفي ذلك يوضح الله تعالى أن أثر الريح عندما تأتي بدون مطر تخلف اصفراراً في الزرع، واصفرار الزرع بعد اخضراره يدل على أن الريح لا يمطر. ويلاحظ أن اللون الأصفر هنا يرتبط بالجدب وقرب الهلاك فهو يأتي هنا معبراً عن كونه نذيراً لفقدان الحياة والحيوية والعدم والحطام .
وفي الموضعين الآخرين في سورتي الزمر والحديد يضرب الله مثلاًً أن الدنيا هكذا تكون خضرة نضرة حسناء، بما تحتويه من مباهج ثم تعود عجوزاً شوهاء، والشاب يعود شيخاً هرماً كبيراً ضعيفاً، كذلك فالزرع بعد خضرته " يهيج " أي يتيبس. " فتراه " مصفراً، "إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب" أي الذين يتذكرون بهذا فيعتبرون. وقد وردت الآيات كما يلي:
" أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لأوْلِي الأَلْبَابِ " ( الزمر 21 )
"اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأمْوَالِ وَالأَوْلأدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الأخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَ مَتَاعُ الْغُرُور "ِ ( الحديد 20 )
وأتت كلمة " صُفْرٌ " في موضع واحد فقط في القرآن الكريم ولكن لتدلل على اللون الأسود المخلوط باللون الأصفر، وذلك في سورة المرسلات، حيث وصف الله تعال الشرر المتطاير من لهب جهنم ـ والعياذ بالله ـ كما ورد في الآية كالتالي: " كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ " ( المرسلات 33 )
" كأنه جمالت صفر " وجمالة جمع جمل، وفي قراءة جمالة صفر أي في هيئتها وكثرتها وتتابعها وسرعة الحركة واللون،[15] وفي الحديث شرار النار أسود كالقير والعرب تسمي سود الإبل صفراً لشوب سوادها بصفرة. و يتضح من ذلك أن الدلالات اللونية مثل الدلالات اللغوية لها صلة بالثقافة، كما أن لها دلالات نفسية ولها دلالات رمزية أيضاً.
ومما سبق يتضح أيضاً أن اللون الأصفر يرتبط بالجدب وقرب الهلاك والمرض فهو يأتي معبراً عن كونه نذيراً لفقدان الحياة والحيوية والعدم والحطام. وعلى العكس عندما يكون شديد النصوع مشوب باللون الأبيض (فاقع) فإنه يعطي السرور والراحة للنفس.