بسم الله الرحمن الرحيم
بقلم فضيلة الشيخ :
عبد السلام بن برجس آل عبد الكريم
- رحمه الله تعالى -
هذا مقطع من فحوى مقال شيق و نصحية ذهبية تفضل بها الشيخ - رحمه الله - منذ أكثر من 16 سنة، عملا بقول النبي -صلى الله عليه و سلم-: ’’ الدين النصيحة، قلنا لمن؟، قال : لله و لكتابه و لرسوله و لأئمة المسلمين و عامتهم’’. ناصح فيه الشباب الصالح عموما و طلبة العلم خصوصا و لم يأل جهدا - عليه رحمة الله - في توجيه كل طالب حق و سلكا سبيله علما و عملا، فأفاد وأجاد -جزاه الله عنّا و عن المسلمين خير الجزاء و جعله في ميزان حسانته، كانت هذه المشاركة منه - رحمه الله - في مجلة المجاهد -السنة الأولى-العدد الثاني-جمادى الثانية 1409. و نصه ما يلي :
قال رحمه الله :
الحمد لله وحده، و صلى الله و سلم على نبينا محمد و آله و صحبه، أماّ بعد،
فإنّ ممّا يبهج القلب، و يقر العين، و يسعد النفس، ما نعيشه في هذه الأيام من نهضة علمية ترامت في أطراف البلاد، و عمرت كل مجتمع و ناد.
و لقد كان لهذه النهضة اثر فعّال في تغيير مجرى حياتنا..فبعد أن كنا نعيش حياة الدعة و الراحة أصبحت حياتنا حياة جدّ و مثابرة على المعرفة و التحصيل. فتجد شبابنا الصالح بين ساع إلى إدراك العلم و مجالس لأهله، و محبّ لهم.
و لا شكّ أن هذه الحركة العلمية حققت إنجازات كبيرة، و قطعت مراحل كثيرة في فترة زمنية وجيزة، فحرّكت همم أقوام حتى أصبحوا قادة في العلم و سادة،و أحيّت علوما و معارف اندرس رسمها، و فرضت منهجا علميّا قائما على الدليل و الإستدلال، من لزمه بزغت شمسه و علا صيتهن، و من لا فلا.
إن من الواجب على كل مسلم أن يساهم في الرقى بهذه النهضة إلى أعلى درجات الكمال، إمّا بكلمة تشجيعية، أو بعمل يخدم أفرادها، أو بتوجيه هادف يسعى إلى التقويم و التجديد.
و مساهمة في الرقى بهذه الحركة أود أن أبين بعض ما عساه أن يعيق سير الطالب إلى العلم، رجاء أن يكون في إبداء هذه المعيقات تقويم لمنهج الطلب، و تذليل للصعاب التي يواجهها الناشئ في مبدأ مسيره إلى التعلم و الطلب، و لم أرتبها مراعاة للأهم، بل حسب ما اتفق في الذهن، و الله سبحانه أسأل المعونة و السداد.
* -المعيق الأول : أخذ العلم عن الأحداث:
لقد فشت ظاهرة اخذ العلم عن صغار الأسنان بين طلاب العلم في هذا الزمن، و هذه الظاهرة في الحقيقة داء عضال، و مرض مزمن، يعيق الطالب عن مراده، و يعوّج به عن الطريق السليم الموصل إلى العلم، و ذلك لأنّ أخذ العلم عن صغار الأسنان لذين لم ترسخ قدمهم في العلم، و لم تشب لحاهم فيه، مع وجود من هو اكبر منهم سنّا، و أرسخ قدما يضعف أساس الميتدئ و يحرمه الإستفادة من خبرة العلماء الكبار، و اكتساب أخلاقهم التي قوّمها العلم و الزمن..إلى غير ذلك من التعليلات التي يوصي بها أثر ابن مسعود رضي الله عنه حيث يقول: << و لا يزال الناس بخير ما أخذوا لعلم عن أكابرهم، و عن امنائهم و علمائهم، فإذا أخذوا عن صغارهم و شرارهم هلكوا>>.
قال ابن قتيبة - فيما نقله الخطيب في نصيحته-(1): ’’ يريد لا يزال الناس بخير ما كان علماؤهم المشايخ، و لم يكن علماؤهم الأحداث، لأنّ الشيخ قد زالت عنه متعة الشباب، و حدّته، و عجلته، و سفهه، و استصحب التجربة و الخبرة، و لا يدخل عليه في علمه الشبهة، و لا يغلب عليه الهوى، و لا يميل به الطمع، و لا يستزله الشيطان استزلال الحدث، فمع السنّ الوقار و الجلالة و الهيبة.
و الحدث قد تدخل عليه هذه الأمور التي أمنت على الشيخ، فإذا دخلت عليه، و أفتى هلك و أهلك’’.أ.ه.و ليس المراد أن يُهجر علم الحَدَث و ينبذ، كلاّ، و إنمّا المراد إنزال الناس منازلهم، فحقُّ الحَدَث النابغ أن ينتفع به في المدارسة و المذاكرة و المباحثة..أمّا أن يصدر للفتوى، و يكتب إليه بالأسئلة، و تعقد لأجله الحلقات فلا، و ألف لا، لأنّ ذلك قتل له و فتنة، قال الفضيل بن عياض - إمام أهل زمانه في الزهد و الفضل -: - لو رأيت رجلا اجتمع الناس حوله لقلت: هذا مجنون. من الذي اجتمع الناس حوله لا يحب أن يجود كلامه لهم. و قال أيضا رحمه الله تعالى : بلغني أن العلماء فيما مضى كانوا إذا تعلموا عملوا، و إذا عملوا شغلوا، و إذا شغلوا فقدوا، و إذا فقدوا طلبوا، فإذا طلبوا هربوا.(2)
فياأيها الطلاب : إن أردتم العلم من منابعه فهاؤم العلماء الكبار الذين شابت لحاهم و نحلت جسومهم، و ذبلت قواهم في طريق العلم و التعليم، الزموهم قبل أن تفقدوهم، و استخرجوا كنوزهم قبل أن توارى معهم و في الليلة الظلماء يفتقد البدر.هذا نص المقال، و الله من وراء القصد و هو يهدي السبيل
==============
1) ص229 من المجموعة الكمالية. .
2) أنظر سير أعلام النبلاء. ج8/434