لقي فوز الدكتور تمام حسان بجائزة الملك فيصل للدراسات العربية العام الماضي، صدى طيبا في الأوساط الأدبية المصرية. فهو عالم لغوي كبير، لم يحصل على أية جائزة في بلده مصر برغم جهده المميز في تطوير أنظمة التعامل مع اللغة العربية، والبحث عن صيغة جديدة، أسماها «نظام القرائن اللغوية» لتعلم فنونها وقواعدها من صرف ونحو وبلاغة. وهي نظرية انعكست على رؤيته النقدية لتفسير القرآن والحديث، نشرها في كتابه الشهير «البيان في روائع القرآن»، مؤكدا على أهمية القرائن في تفسير الآية القرآنية. وقد التقت «الشرق الأوسط» د. تمام حسان، في هذا الحوار حول معشوقته اللغة العربية وحقيقة أسرارها وقضاياها ودورها في بلورة خطابنا الثقافي وهنا نص الحديث:
> ما هي أهم ملامح مشروعك اللغوي؟
ـ المشروع الذي أخذ كل حياتي هو نظام اللغة العربية. حيث ان هناك ثلاثة نظم هي، نظام النظم لعبد القاهر الجرجاني، وما يعرف بـ«نحو النص أو علم النص»، ونظام القرائن اللغوية الذي أدعي أني صاحبه. فالقرائن اللغوية هي علامات على المراد، وهي لفظية ومعنوية تقوم على فكرة الربط والرتبة. وهي أمور لم يسبق أن تحدث فيها اللغويون العرب الذين اعتبروا الإعراب وحده الدلالة الوحيدة على المعنى، وهو ما لا يصح حيث يختفي عند التقدير والمحل، وهذا ما أوضحته في كتابي «اللغة العربية مبناها ومعناها» وغيره من كتبي.
> برأيك إلى أي حد يساعد تطور الفهم اللغوي على تطور فهم القرآن وتفسيره؟
ـ أرى أن تطور الفهم اللغوي يساعد كثيرا في فهم النص القرآني. فقد فات قدامى المفسرين الكثير في تفسيرهم للقرآن، مما قد يصل إليه المحدثون، فوقوفهم واعتمادهم فقط على ما وصل إليه اللغويون في نظام اللغة العربية والتفسير النحوي وفق نظرية العامل لسيبويه دون اهتمام بالقرائن، لا شك يجعل الوعي بمسألة السياق القرآني عندهم في كثير من المواضع في حاجة لمراجعة، ويستدعي من المحدثين إعادة اكتشاف أهمية السياق والقرائن في النص القرآني. وهو ما وضحته بإسهاب في كتابي «البيان في روائع القرآن»، حيث قمت بدراسة لغوية وأسلوبية تعتمد ما انتهت إليه مناهج البحث اللغوي، وتبين أهمية القرائن في تفسير الآية والجملة القرآنية، وهو ما غاب عن كثير من المفسرين وضربت عليه العديد من الأمثلة.
> ما هي أبرز تحديات اللغة العربية اليوم؟
-أهم تحديات اللغة العربية في رأينا، أن المستعمل لها بدأ ينصرف عنها إلى استعمال لغات أجنبية، بل حتى المتكلمون بها من كبار المثقفين يعطون انطباعا عن تفوقهم الثقافي، ليس بغوصهم نحو معرفتها واكتشاف قدراتها، وإنما باستخدام مفردات أجنبية بديلة، وكذلك هو حال المحال التجارية والماركات بل والأسماء الشخصية. فحين يتحول اسم رجل يسمى «تقي الدين» إلى «تال»، فاللغة كعلامة أولى على الهوية والانتماء لها لا شك في خطر كبير.
> أين توصيات مجمع اللغة العربية الذي تنتمي إليه بأهمية تعريب الأسماء وعدم تشويه اللغة بالتراكيب الأجنبية طالما وجد البديل العربي؟
ـ مجمع اللغة العربية لا يملك قدرة تنفيذية، ولكن يملك فقط توصيات، من شاء التزم بها ومن شاء تركها، كما أنه بحاجة ماسة لقدرات مادية تعوزه حتي يستطيع تنفيذ ما يريد، فلا يمكن الاعتماد عليه وحده سواء في مصر أو غيرها. من هنا أقترح وجود وظيفة لغوي يتبع المجمع، يتواجد في كل مؤسسة حكومية على الأقل، يمكنه التعاطي السريع مع المستجدات الحضارية والصناعية الذكية بالتعاون مع المجمع، ويمكن أن يكون تابعا مباشرة للمجمع اللغوي في بلده أو يعمل تحت استشارته.
> البعض يرى أن التعريب سيمثل عائقا لمواكبة العصر؟
ـ أؤمن أن اللغة نفسها لا تفتقر للقدرة على تعريب المفردات والمصطلحات الغربية، وبالتالي فالتعريب لن يمثل عائقا ولكن سيكون ـ على العكس ـ مصدر ثراء، لأننا سنفكر بلغتنا مباشرة في أدق العلوم ونملك المصطلحات ولا نستوردها. والمبدع هو من يفكر بلغته ويبدع من داخلها، أما التابع والناقل فلا يعوزه سوى النقل والمتابعة.
> يربط البعض بين اللغة العربية وأزمة التخلف في الوعي العربي، فكيف ترى ذلك؟
ـ هذا تجن على اللغة العربية لا أقبله، فاللغة العربية شأن كل لغات العالم، يمكن أن تكون لغة تقدم، كما كانت في عصور كثيرة، أو لغة تخلف حسب ما يصنعه بها أصحابها. وربط اللغة بأشكال التخلف وخاصة في دعوة البعض للكتابة بالعامية ورفض الفصحى، إنما هو تزيد وتحيز. فالتقدم مسألة إجرائية ومسألة مؤسسات، وكل ما يمكننا التفكير فيه يمكن أن تحمله اللغة، فالمشكلة إذن ليست في اللغة ولكن في المفكر والمفكر فيه، وإن كان هذا الطرح صحيحا فلم تبدو أمم متخلفة وأخرى متقدمة رغم أن كلا منهما يتكلم لغة واحدة.
> هل المستقبل في صالح اللغة العربية في رأيك؟
ـ أرى الناس قد بدأوا يستيقظون على أهمية اللغة ومشاكلها في آن واحد... خاصة وأن اللغة محفوظة بين دفتي المصحف متى خفنا عليها خارجه، ومن المصحف ومن مفهومنا للهوية والأمة تأتي الغيرة وروافد البحوث اللغوية حول اللغة وتركيبها ونظامها كي تواكب العصر. وهي غيرة قد تؤتي ثمارها قريبا، حين ينعكس ذلك في تعليمها ومناهجها التي تحتاج لتطوير لا شك قد تفي به هذه البحوث غير المنقطعة في خدمة اللغة العربية، خاصة وأننا نرى أن اللغة هي أبرز مقومات الهوية العربية. واللغة في هذا السياق لها أولوية الدين وما يشبه مكانته. وقد سبق للغة، مثل اللغة العبرية التي ماتت قرونا أن جمعت اليهود من مختلف أنحاء العالم لينزرعوا في منطقتنا، من هنا أرى ضرورة الاهتمام باللغة كحلقة أولى ضرورية إن أردنا المقاومة أو أردنا البناء والتقدم.
> ولكن ما الذي نحن بحاجة اليه لتيسير قواعد هذه اللغة؟
ـ تيسير القواعد لا يعني التخلي عنها، ولكن يعني حسن فهمها وتفهيمها للمتحدثين وغير المتحدثين بها، ولن يكون ذلك بالتعصب المطلق لكتب الأقدمين وطرق تعليمهم، ولكن بالانفتاح على الدراسات اللغوية الحديثة وفتح باب الاجتهاد اللغوي باستمرار.
> حصلت على جائزة الملك فيصل في اللغة العربية وآدابها عام 2006 بالاشتراك مع اللغوي المغربي عبد القادر الفاسي الفهري، ما هو انطباعك تجاه هذا التكريم؟
ـ تأخر تكريمي الرسمي والمؤسسي كثيرا، فحتى الآن لم أحصل على أي جائزة مصرية، مما جعل تكريمي على المستوى العربي سلوى وتقديرا ممن قدمه، وهم القائمون على جائزة الملك فيصل، حيث أكدوا لي أن الخير لا يضيع بين الله والناس كما كان يقول الحطيئة، كما أن عددا من الباحثين قد قدموا أطروحات علمية حول مشروعي اللغوي في الجزائر والأردن وغيرهما، وهذا مما أغبطني كثيرا.