هل طرقت باب صاحبك يوما وقال لك ارجع؟
من الخير لك ولصاحبك أيها الطارق، أن يَعتذر عن استقبالك بدلاً من الإذن على كراهية ومضض.
فلا تغضب ولا تلمه ولا تتوعد
أتحب أن ترى منه ما يؤذي العرض والنفس من انكشاف ما لا يحب اطلاعك عليه
قال بعض المهاجرين: لقد طلبت عمري كله هذه الآية فما أدركتها. لقد طلبت أن أستأذن على بعض إخواني ليقول لي: ارجع، فأرجع وأنا مغتبط.
لقوله تعالى: وَإِن قِيلَ لَكُمْ ارْجِعُواْ فَارْجِعُواْ هُوَ أَزْكَى لَكُمْ [النور:28]. ذكره الحافظ ابن كثير في تفسيره.
يَقُول : رُجُوعكُمْ عَنْهَا إِذَا قِيلَ لَكُمْ ارْجِعُوا , وَلَمْ يُؤْذَن لَكُمْ بِالدُّخُولِ فِيهَا , أَطْهَر لَكُمْ عِنْد اللَّه .
لقد جعل الله البيوت سكناً يأوي إليها أهلها،
تطمئن فيها نفوسهم،
ويأمنون على حرماتهم،
يستترون بها مما يؤذي الأعراض والنفوس،
يتخففون فيها من أعباء الحرص والحذر.
وإن ذلك لا يتحقق على وجهه إلا
حين تكون محترمة في حرمتها،
لا يستباح حماها إلا بإذن أهلها.
في الأوقات التي يريدون،
إن كل امرئ في بيته قد يكون على حالة خاصة،
أو أحاديث سرية،
أو شؤون بيتية
أو عورات مشاعر وحالات نفسية،
حالات خلاف أسري،
حالات بكاء وغضب وتوجع وأنين.
كل ذلك مما لا يرغب الاطلاع عليه لا من الغريب ولا من القريب،
إنها دقائق يحفظها ويسترها أدب الاستئذان.
إن من حق صاحب البيت أن يقول بلا غضاضة للزائر والطارق: ارجع.
فللناس أسرارهم وأعذارهم، وهم أدرى بظروفهم، فما كان الاستئذان في البيوت إلا من أجل هذا.
وعلى المستأذن أن يرجع من غير حرج، وحسبه أن ينال التزكية القرآنية.
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنما شرع الاستئذان من أجل النظر حتى لا تقع عينك على عورة )
وقد علم أن الاستئذان يقتضي إذناً ومنعاً وسكوتاً
فإن أذن له فذاك
وإن منع بصريح القول فذلك قوله تعالى : ( وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم ).
ومعنى ( أزكى لكم ) أنه أفضل وخير لكم من أن يأذنوا على كراهية .
وفي هذا أدب عظيم وهو تعليم الصراحة بالحق دون المواربة ما لم يكن فيه أذى .
وتعليم قبول الحق لأنه أطمن لنفس قابله من تلقي ما لا يدري أهو حق أم مواربة ،
ولو اعتاد الناس التصارح بالحق بينهم لزالت عنهم ظنون السوء بأنفسهم .
والبيوت عورة لايحق لأحد تجاوزها ( وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا )
والله يجبر كسر صاحب الرجعة فيقول ( هو أزكى لكم ) وهو اخبار من الله والله حق وقوله حق ومن رجع فهي تزكية من الله تعالى
وهذه منزلة عالية لا ينالها إلا من تيقن وعلم أن القرآن حق والناس في هذا اليقين درجات .
فلو أننا نُرجع كل أمر نتعامل به أو نوجهه لغيرنا لآية قرآنية أو حديث نبوي.. لكانت علاقاتنا مع الآخرين أوضح وأصوب….
ولو أخذ الناس أنفسهم بهذا الأدب، وتعاملوا بهذا الوضوح؛ لاجتنبوا كثيراً من سوء الظن في أنفسهم وإخوانهم
فالمرء لا ينبغي أن يكون كلاًّ على غيره ،
ولا ينبغي له أن يعرض نفسه إلى الكراهية والاستثقال ،
وأنه ينبغي أن يكون الزائر والمزور متوافقين متآنسين وذلك عون على توفر الأخوة الإسلامية .
( ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلِّمُواْ عَلَى أَهْلِهَا ذاَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَآ أَحَداً فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمُ وَإِن قِيلَ لَكُمْ ارْجِعُواْ فَارْجِعُواْ هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ }