chokchok عـضـو فـعــال
عدد الرسائل : 47 المدينة : tetouan تاريخ التسجيل : 31/03/2009
| موضوع: بدء المعجزة الجمعة 3 أبريل - 17:11 | |
| بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
2. بدء المعجزة
مضى عزير عليه السلام في رحلة طويلة شاقة, بعد لحظات خوف وترقب أثناء خروجه من بابل وقد أحاطها الحراس والجنود في كل مكان.
وبعد طول مسير وكثير عناء, وجد العزير نفسه في الأرض المقدسة التي طالما تاقت نفسه لرؤيتها, فلما دخل وجد شيئا عجيبا, لم يجد آثارا للعمران, بل وجد الخراب جاثما عليها منذ ثلاثين سنة مضت, منذ أن خرّبتها جيوش بختنصر الذي كان قد اقتحم دمشق, وسار منها الى بيت المقدس, وتذكّر عزير ملك بني إسرائيل الذي خرج اليه, وقدّم له الطاعة وطلب منه الصلح, وأعطاه من الأموال والجواهر والأشياء النفيسة ما أرضاه, ويومها طلب بختنصر بعض أعيان بني اسرائيل ليكونوا رهائن عنده ضمانا لاستمرار الصلح, وعدم التمرّد. تاريخ الطبري.
وتذكّر أن أهله بني اسرائيل لما نزل بختنصر فزعوا, وتفرّقوا, وأغلقوا دورهم عليهم, فلما صالحه الملك وأعطاه الرهائن وجلا عن البلاد بجيشه, خرجوا من جحورهم غاضبين يلومون ملكهم على الصلح, ويعلنون أنهم كانوا قادرين على قتال عدوّهم, وانزال الهزيمة به, وثاروا على ملكهم وقتلوه, ونقضوا الصلح مع بختنصر.
وتذكّر كذلك لما رأى الخراب أن بختنصر لما علم بما حدث منهم عاد الى بيت المقدس, فتحصنوا بداخلها, فحاصروها حصارا شديدا, ثم قام بدك أسوارها بما يقذفه عليها من مدمّرات, حتى تهدّمت, فاندفع جيشه وخرّب المدينة, وقتل النساء والأطفال, وخربوا الدور والزروع والقرى وقتلوا وأسروا كل من وصلت اليه أيديهم.. حتى خرّبت الديار, وكثرت الدماء, وتناثرت الأشياء وهرب من هرب وأسر من أسر, وهرب منهم كم هرب الى مصر,والى مكة والى يثرب وجهات أخرى, وبقي بختنصر ليأتي على البقيّة الباقية من هدم للبيع والمعابد واحراق كل ما وقع له من نسخ التوراة, وقتل الشباب من الأسرى القادرين على حمل السلاح, واستبقى النساء والأطفال عبيدا عنده وخدما, وغادر البلاد بعد تركها خرابا.
كل هذا تذكره عزير عليه السلام لما رأى الخراب والدمار حوله في كل مكان؛ فقد وجد أشجار الفاكهة قائمة بغير عناية, فلم تحصد منذ سنين ولم تقطف ثمارها, فهي محمّلة بالثمار الحديثة والقديمة, والأعشاب وبعض الزروع وقد تفرّقت هنا وهناك بغير انتظام, وقد كست الأرض, فتطول في مكان وتقصر في الآخر.
وسمع عزير عليه السلام عواء الذئاب بعيدا, وأصوات السباع, وبحث عن أي أثر لأي انسان فلم يجد, وظل العزير يمشي ويمشي حتى بلغ مدينة القدس ووجد بها آثارا لمذبحة بختنصر. فعظام القتلى بقايا بالية مبعثرة, والدماء على الجدران جافة سوداء, وعشرات الألوف من الجماجم الآدميّة تدل على هول ما أنزل بختنصر ببني اسرائيل من هلاك, ورأى عزير البيوت وقد تهدمت وطمرت بالأنقاض, أما المساجد والمعابد فقد أصبحت خاوية على عروشها, مهجورة وقد ملأها التراب...
هال عزيرا عليه السلام ما شهده من مشاهد, وقد جرت أحداث بختنصر هذه وهو صبي لم يتجاوز العاشرة من عمره, ولكنه سمع فيما بعد بهذه المذابح والمعارك من الآباء لكن ما شهده كان أكبر مم تصوّره, لم يكن يعرف أن هذه المعارك كانت عاتية فادحة الخسائر الى هذا الحد, الذي يشهده بعينيه وهو يمر بين الأنقاض والديار المهدّمة.
طاف عزير عليه السلام مدينة الأشباح, وقد شغله هذا الماضي المفجع المحزن والحاضر وما سيكون عليه المستقبل,
سأل نفسه عدة أسئلة:
أتصبح هذه الأرض القفراء عامرة؟
أتصير هذه يوما من الأيام, معمورة الأسواق والندوات والمجالس, آهلة بالسكان والأطفال والنساء والبيوت؟
وقد أوحى الله إليه أنه سبحانه عز وجل سيعيدها سيرتها الأولى فتدب فيها الحياة, وتنشط الحركة وتقوم التجارة, ويزدهر نشاط الناس بالزراعة والصناعة.. صمت عزير عليه السلام قليلا وتساءل في عجب{ أنّى يحي هذه الله بعد موتها} البقرة 259.
أحس عزير عليه السلام بوحدة قاتلة, ووحشيّة مميتة من هذا الصمت الذي يطوف حوله, صمت المدينة, والأشجار, وكل شيء حوله صامت لا يتحرك, وأحزنته مشاهد الدمار التي ما زالت متناثرة في الشوارع والطرقات على شكل عظام ودماء, وبقايا حياة كانت مليئة بالحيوية والبهجة, ولم يسمع عزير حوله سوى صوت الرياح تهمس في أذنيه مرة عاصفة وأخرى عليلة هادئة النسمات.
من كل هذا الجو الموحش آثر عزير أن يتخذ لنفسه مغارة في أحد الجبال المحيطة بالقدس ليقيم فيها, وحث حماره فمشى, وعند أحد البساتين توقف عزير عليه السلام وصنع لنفسه سلة ملأها عنبا وتينا, وعصر بعض العنب, وجعله معه في اناء من الجلد ليشربه.
وفي ضحى هذا اليوم دخل عزير عليه السلام مغارته الواسعة العتيدة فربط بها حماره, ووضع سلته وشرابه الى جانبه واستلقى على ظهره ليريح نفسه من العناء والتعب, وقد شغل فكره بواحدة من الأفكار تقول: كيف تعود الى الحياة ثانية الى هذه القرية؟!
وعزير عليه السلام على علم من وحي الله أن الحياة ستعود مرة ثانية الى هذه القرية ولكنه إنسان, ومازال رغم كل ذلك يقول ويردد:{ أنّى يحي هذه الله بعد موتها}.
من هذا التساؤل العجيب, ومن هذا الاستطلاع وحبه المعروف عند البشر, تكون المعجزة في طريقها الى عزير عليه السلام بأمر الله عز وجل. وظل عزير عليه السلام يقول: كيف تعود الحياة الى سائر بني اسرائيل وها هي صامتة صمت الزمن أيامي؟!
ظل عزير عليه السلام على هذه الحال, حتى أسلمه التعب والتساؤل والرغبة في المعرفة الى نوم عميق عمق الزمن الذي طال, ثقيل ثقل السنين التي مضت ولم يشعر بها عزير أبدا.
وفي نومه العميق أو في نومته الصغرى, نام نومة كبرى, لقد قبض الله روحه, ولم يعد عزير يشعر بشيء مما حوله فهو في يد العناية الالهية, تنصرف الى ما تشاء ولا رادّ لمشيئة الله لا في الأرض ولا في السماء.
وللحديث بقية إن شاء الله
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته | |
|